-٣٠-

10.2K 314 128
                                    

تعلقت فاطمة ام يوسف بالصغيرة جنى تعلقاً كبيراً، فالمرأة كانت تقضي اغلب اوقاتها وحيدة، ساعات قليلة يجتمعون افراد اسرتها حولها ثم ينفضون كل يذهب لوجهته، واينما حلت جنى يتبعها شاهين، ربما هذا التعلق وطد العلاقة بينها و بين رفل، فزوجة ابنها تدع ابنتها مع جدتها متى شأت بطيب خاطر و كلما رأت حب الجدة لحفيدتها اطالت البقاء و لم تصعد بها للأعلى.

هذا التعلق اعطى فراغ لرفل كما اعتادت قبل الولادة و عادت لتفكر بعمل يشغلها، و للحق ان الفكرة لم تبارح ذهنها منذ تخرجت، ارادت العمل و الحصول على وظيفة لكن في الاشهر الماضية عقب تخرجها منعها الحمل و صعوبته من التفكير بها و أجلت الفكرة، لكن هذه الايام اخذت تفكيرها ينشغل بالحصول على وظيفة، فعمتها تأخذ الطفلة صباحا منذ الفطور تتنزه في الحديقة تحت اشعة الشمس الدافئة ثم يتبعها شاهين و تلاعبهما معا حتى تجوع الصغيرة مرة اخرى و ترضعها رفل. كانت سعاد تنظف الصغيرة في اغلب الاحيان و تحممها.

رغم ان صغيرتها للتو بدأت شهرها الرابع الا ان الطفلة لم تحتاج امها، احاطتها رعاية الجميع و حبهم.
لذلك قررت رفل الحديث مع يوسف عليها ان تقنعه مهما تطلب الامر، خططت ان تغريه و تدللهه حتى يرضى و بعدها تتمسكن حتى تتمكن. ارتدت ثوب نوم قصير من الحرير الاسود ذو حمالتين لم ترتدي تحت ملابس داخلية و فردت شعرها، ثم وضعت عطر ذو رائحة مغرية قوية. رغم انها لا تحب كثرة المساحيق الا انها زينت فمها بأحمر شفاه ذو لون صارخ و الكحل ابرز عيونها.

حرصت على اشباع ابنتها و تنويمها، ثم نظرت للساعة و قامت تحسب وقت رجوع يوسف، خلال نصف ساعة او أكثر بقليل سيصعد لغرفتها. هيئت نفسها و هي تلف وشاح على وركيها و شغلت اغنية بالحان راقصة،
ترقبت من خلف الباب تنتظر بفروغ صبر قدومه و ما ان لمحته قادما حتى دفعت الباب بخفة تغلقه و تندفع لوسط الغرفة لترقص.

كانت تتمايل بعذوبة مع الالحان و تهز خصرها الاهيف كأفعى تتلوى. عندما فتح يوسف الباب مثلت ببراعة دور الفتاة المجفلة الخجلة و هي تحل عقدة الوشاح و تطفى مشغل الموسيقى.

لم يفكر يوسف بالتفاصيل التي كانت واضحة انه تم التخطيط لهم، كل ما يريده الان ان يراها ترقص له  وتهز خصرها امامه.

فاندفع يعيد تشغيل الموسيقى و هو يقول: أكملي، أكملي ما تفعلين و لا تبالي بوجودي.

-يوسف.. لا أستطيع... لا اقدر.. أني اخجل من الرقص امام احد.

-سترقصين الان ستفعلينها، هيا هزي لي هذه المؤخرة كما كنت تفعلين للتو.

قبل عنقها المكشوف وهو يسحق جسده على جسدها: هيا أرجوكِ، قليلا فقط لدقيقة.

أومأت له بابتسامة خجولة ثم رقصت بخجل امامه و ارتباك ثم تشجعت واخذت تزداد جراءة وهي تهز جسدها له. اقتربت منه تغريه كراقصة محترفة فلم يتمالك يوسف نفسه عن الامساك بها و وضعها في حضنه. اخذ يقبل كل جزء مكشوف من جسدها.
هذه المرة هي من باشرت بإغرائه و اشعال جسده، بمهارة جننته بحركاتها و بهمساتها المغرية في اذنه و لم يتركها حتى شبع منها و امتص كل طاقتها.

همس لها بصوت واهن: أحبك، أحب كل شيء فيك و منكِ.

ضمته ضاحكة وهي تقول بصوت غنج طروب: كم تحبني؟

-أحبك لدرجة اريد سرقتك من العالم كله، حتى من أبنتك، اريدكِ لي تدلليني و ترقصين لي، لا تفارقين حضني ابداً.

قبلت شفاهه بإغراء ثم قالت: انا لك، كلي لك يا حبي.

صاح بها بفرح: كرريها قوليها مرة اخرى.

فهمت ما يريد فهمست له ضاحكة: حبي و وحبيبي وروحي و قلبي و عيوني.

قبلها بقوة يلتهم الكلمات من شفاهها التهاما.  من بين همساتهم شجعت نفسها و قالت له: يوسف اريد ان اخبرك شيء.

همهم لها فأكملت: يوسف اريد العمل، ما فائدة شهادتي و سنوات عمري التي قضيتها في الدراسة ان لم أعمل.

-ما حاجتك للعمل، هل ينقصك شيء هل أنت بحاجة للمال، سأزيد مصروفك الشهري ان لم يكفيك.

امسكت يده برجاء: لا احتاج للمال و لا أهتم للمال، لكن الوظيفة مهمة بالنسبة لي، لقد تعبت كل تلك السنوات حتى اصبح استاذة جامعية، كان حلمي ان اصبح واحدة.

-لا تفييدك الوظيفة و ماذا عن جنى من سيرعاها.

-ولما لا تنفعني، كما ان عمتي و سعاد يرعن جنى صباحا و انا ارعاها بقية اليوم.

انقلب يوسف على ظهره و هو يقول: رفل اتركي الموضوع.

استقامت تضع يديها على صدره وتنظر له من تحت اهدابها: ارجوك لا تعارض، ارجوك يوسف لا تحرمني من الوظيفة.

-اخبرتك ان تنسي الموضوع، ابقي هنا واعتني بجنى واهتمي بالمنزل ان كنت ترغبين في العمل و لن ينقصك المال ابداً.

-لكن لكن ... افهم انا لا اريد العمل من اجل المال، انه حلمي انها رغبتي فلما لا تفهم، اخبرني هل هدرت كل حياتي في الدراسة لتأتي و تمنعني الان. أرجوك يوسف لن يضرك شيء لو عملت، انت تذهب للعمل مدة اسبوعين و عندما تأتي تخرج اغلب الوقت، لو أني غبت النهار بطوله لن تفتقدني.

اخذت تقبل خده قبلات سريعة : أرجوك ارجوك، حبا بي.

-لا تتوسلي أكثر، من المستحيل ان اتركك تعملين في الجامعة تختلطين مع بقية الرجال و الطلاب.

-ولما لا، هل تظن أني سأذهب للمرح او المتعة، وان لم تعجبك الجامعة هناك مجالات عدة يمكن لاختصاصي العمل فيها. ان لم ترغب ان أعمل في الجامعة يمكنني التقديم للعمل في مختبر او المشفى او في مدرسة.

تنهد يوسف بتعب ثم قال حتى لا تلح اكثر: سأفكر بالأمر.

علمت ان عليها التعب أكثر بخصوص هذا الموضوع، كرهت كيف عليها التذلل كل يوم حتى يقبل بمنحها ابسط حقوقها، تمقت سيطرة الرجل على زوجته مقتا شديدا، كأن الزوجة ليس لها حق بالاختيار و التصرف بحياتها.

كما توقعت لمدة اسابيع ظلت تطالبه في الامر، تلح عليه حتى ان تعصب او غضب في كل مرة يخبرها ان تنسى الموضوع لكنها تأتيه في اليوم التالي و تطالبه بحقها.

ذات يوم ملت من كثرة التذلل له فصرخت بوجهه : كفى مللت منك، والله مللت، من منحك الحق بالتحكم بي، من منحك الحق بمنعي، سأقدم على الوظيفة و أفعل ما شئت، أقتلني طلقني لا يهمني.

بكت بمرارة ثم صرخت به: اتوسل بك يوميا لتقبل، هل تريدني ان اقبل قدمك ماذا تريد أكثر و ما يضيرك من عملي، اريد ان اعمل اريد ان اتوظف، لما لا تفهمني لما لا تشعر بي، لمرة واحدة لمرة واحدة اشعر بي لمرة واحدة لا تذلني، لمرة واحدة عاملني كبشر لا عبدة عندك.

-اما مللتِ من الكلام.

-حسنا اي وظيفة سأقبل بها، اختر لي واحدة على مرامك، جرب لمدة شهر ان كان الامر سيؤثر على حياتنا، ساترك الوظيفة ان فعلت.

ضغط يوسف بفكيه بقوة ثم قال: لما هذا الاصرار على الوظيفة ما غايتك منه، هل تعتقدين انك اذا توظفتِ ستتحررين مني. ستصبحين مستقلة و معتمدة على نفسك.

-يا الله يا يوسف ما هذا التفكير، من اين حصلت على هذه الفكرة، تربطنا طفلة الان و تظن أني لا زلت ارغب بالتحرر. ما بك لا جل الله كيف تفكر، بح صوتي وانا اخبرك اني تعبت و اريد ثمرة تعبي. ارجوك وافق ارجوك، سأمتثل لكل أؤمرك حتى ان اردتني ان اتنقب سأفعل ولن اجادل.

-كل اصرارك هذا و كأنك تضمنين الوظيفة، اين الوظائف ، الخريجون شهاتدتهم في المزابل لا يجدون اي وظيفة.

-لا تقلق بهذا الشأن فقط وافق، لما تظن اني درست ماجستير و تعبت، فرصتي بالوظيفة اعلى من غيري. كما ان التقديم مفتوح في الجامعة خاصة اختصاصي. ارجوك انت تعرف اهمية الوظيفة، فرغم املاكك لم تترك الوظيفة لما اخبرني ؟

-سنرى..

-مضى شهر وانت تؤجل الموافقة، أرجوك وافق، اتوسل بك، سأكون طوع بنانك فقط وافق.

كثرة اصرارها جعلته يلين اخيرا فقال بملل : حسنا بشرط..

قاطعته وهي تصرخ بفرحة و تقبله بقوة و تحتضنه بذراعها: شكرا شكرا، يا الله واخيرا وافقت، الحمد الله الحمد الله. سأفعل ما تريد سأوفق على كل شيء.

-لا اريد اختلاط مع الرجال، ستقدمين لمدرسة بنات فقط.

-لكن لا توجد وظائف متاحة الان، اولا دعني اتوظف في الجامعة بعدها يمكنني تقديم طلب للتدريس في مدرسة بنات.

-سأحصل لك على قبول لكن قسما يا رفل ان رأيت او فعلتِ شيء لا يعجبني سأجعلك تتركين الوظيفة ولن تخطي خطوة واحدة خارج المنزل.

-نعم اقسم لك لن أفعل شيء لا يرضيك. لكن منى ستحصل لي على قبول؟

-عندما اذهب للعاصمة لا تقلقي بهذا الشأن.

كما وعدها بغضون اسابيع حصل لها على وظيفة في مدرسة بنات قريبة، كانت رفل من السعادة بشكل لا يوصف، واخيرا ستخرج و تتحرر، واخيرا ستلتقط انفاسها.

كان العام الدراسي في منتصفه عندما باشرت اول يوم. كانت ممتنة لعمتها التي لم تبدو معارضة على بقاء حفيدتها معها و الاعتناء بها.  اما يوسف فكان متضايقا و غير مسرور، تحكم بملابسها منعها من الزينة، كل اؤمره لأنه يراها سعيدة مبتهجة. اوصلها اول يوم قال ما ان وصلوا امام المدرسة: أسمعي هذه اخر مرة احذرك، اي تقصير ناحيتي او ابنتك ستجدين نفسك بلا وظيفة.

هزت راسها و هي تقسم انها لن تقصر، دخلت للمدرسة مبتهجة تعرفت بمديرتها . كانت المدرسة ثانوية كبيرة تضم فوق الالف طالبة. اعطتها المديرة جدول حصصها ثم قادتها للتعرف ببقية المدرسات معها. كان عدد الموجود قليل نظرا انه وقت الحصة الان. ابتدأ يومها الاول بنشاط. تأقلمت في الايام التالية مع حياتها الجديدة و هي تشعر بالجذل و السرور.

صادقت ثلاث من زميلاتها واصبحت قريبة معهن، الاولى تدعى رباب و هي مدرسة رياضيات و الاخرى رؤية تدرس العربي والاخيرة أمل تدرس الكيمياء مثلها. رغم انها اصبحت قريبة في تعاملها معهن لكن لم تذكر شيء عن حياتها سوى انها متزوجة و لديها طفلة صغيرة.

كانت رفل اصغرهن عمرا، الا ان رباب لم تكن متزوجة، كانت ترفض الزواج و تحمل المسؤولية مرتاحة بحياتها الحالية، دائما تخبر زميلاتها انها تلبس ما تشاء تخرج متى ما تشاء و تفعل ما تشاء لا يقيدها احد او يتحكم بها الا ان بعد عدة اسابيع عرفت رفل ان الشابة التي اوشكت دخول الثلاثين قد مرت بعدة علاقات فاشلة، اما رؤية فكانت مطلقة لديها طفل واحد من زواجها السابق، طلقت زوجها بعد ان اكتشفت خيانته خلال نصف سنة من زواجهم، كانت صاحبة شخصية قوية لا تتنازل او ترضخ لاحد، ورفل تأثرت بها كل التأثر اما أمل فكانت الوحيدة التي تمدح بالزواج و مزاياه.

كما أخبرت يوسف لم يشعر بغيابها، فهي تعود قرابة الواحدة ظهرا، تجد ان العاملات اعدن الطعام و رتبن المنزل، سعاد و عمتها يتناوبن على جنى، كما انه يذهب ايام طويلة لعمله لذلك اعتاد على وظيفتها و انتهت فترة تذمره، كان قد عين لها سائق يأخذها و يعيدها.

مع هذا التغيير الذي طرأ شعرت مريم بمرارة لم تشعر بها كل حياته، الكل تسير حياته الا هي بقت في نفس النقطة و المكان، كما لو انها تحفة زائدة او كرسي موضوع في الركن. هل كانت حياتها بهذا الفراغ و التعاسة، هل كان الامر يتطلب وجود امرأة اخرى لترى كمية التعاسة التي تعيش بها. كانت تراقب رفل تخرج صباحا و تعود ظهراً، كل يوم بمظهر، كل يوم تقوم بأمر يجعلها امرأة لديها كيان و موضع في هذا المجتمع، حتى خالتها ام يوسف بدأت تتقبله و حتى تحبها، تعتني بالطفلة كأنها اول طفل في العائلة، اما زوجها فما فائدة وجوده في حياتها، بدأت تشعر بأنه جسده فقط من ينام قربها الا ان ذهنه و تفكيره ليس معها، كلامه بدا يقل معها، اذا كان اليوم يومها يأتيها متأخرا اذا كان له مزاج، يعاشرها و ان لم يكن له يضع رأسه على الوسادة نائما، لا يهتم بكمية الاهانة التي يوجهها لها و هي تنتظره و قد جهزت نفسها له. حتى معاشرته لها تغيرت، دقائق يطفى شهوته ثم يتركها بدون لمسة حانية او كلمة دافئة.
مع الايام بدأت تذبل مريم قهرا و مرارة، تشعر انها مظلومة، تعرف انها ظلمت نفسها كل تلك السنين بتقديم الكثير دون مقابل، قدمت الطاعة و الاحترام قبلت كل شيء من يوسف و عائلته فما جزائها، تحول الامر استغلال صمتها و طاعتها.

....
شكرا للتفاعل، اول ما صحيت من النوم كملت البارت عشان اوفي بوعدي الكم. وما اتاخر اكثر

الصورة فوق لجنى، في وحدة منكم طلبتها، ما زالت صغيرة من تكبر انزل صورة اخرى.
قراءة ممتعة ، احبكم ♡



 

الظالًِم حيث تعيش القصص. اكتشف الآن