تغيرت حياة رفل تغييرا جذريا، شعور الحرية يغمرها و السيطرة على حياتها تسعدها فلم يكن هناك احد ليفرض مشيئته عليها، بعد اسبوع من المعاناة غادرت منزل خالها لتسكن في بيت اهلها، كانت في كل ركن و زاوية تتذكر ابيها و اخيها الا انها لم تستلم للحزن بل همت للقيام برعاية امها و ابنتها رعاية تامة، فأصبحت ربة بيت ممتازة و اعتادت على ان تقضي اعمالها بسرعة، و الطفلة كانت معضلة في البداية لكنها اعتادت على دلال الام و الجدة.
كان يؤرق نوم رفل موعد المحاكمة القادمة رغم تأكيد اسماعيل انها مجرد اجراءات روتينية، لدهشتها عندما حان موعد المحاكمة لم يحضر يوسف و حاول موسى تبرير غيابه انه ذهب للعمل في العاصمة، وتم التعاون بسهولة بدون اعتراض على اعطاء النفقة للطفلة و انه لن تقام دعوة اخرى.
عجبت رفل لكنها ابتهلت شاكرة لله، لم تكن تعلم ما يدور في خلد يوسف او ما يضمر لكن في هذه اللحظة شعرت انها ممتنه له، فلن يهدد اي شيء وجود ابنتها معها. وقد اعطت المحكمة يوسف الحق برؤية ابنتها ساعتين كل اسبوع. لم تبدي رفل اعتراض على رؤيته لابنته لكن يوسف لم يأتي رغم مرور الاشهر و مع اقتراب عودة المدارس توترت الفتاة فهي لا تريد ترك ابنتها و تتهم بالإهمال و اتصلت برؤية و هي تشرح لها مخاوفها لكن الاخيرة طمئنتها ان القانون يشمل المراة العاملة ايضا و ما دام موجود من يرعاها في البيت فلا بأس و يمكنها ان تدخلها في دار حضانة ان رغبت.
لذلك تعودت ان تترك ابنتها فترة الصباح مع جدتها و لم يؤثر الروتين على غيابها فالطفلة كانت كثيرة النوم في الصباح و تكتفي بوجود احدهم حولها لتطمئن و تأمن و ما ان يسد جوعها و يتم وضع العابها امامها تنسى الوقت حتى رجوع امها. تكيفت الاناث الثلاثة مع الوضع.
ذات يوم كانت رفل تعد وجبة الغداء لليوم تالي و تجمدها و ابنتها تلعب و تمرح بصوت عالي في وسط البيت عندما دق الباب، لم تتوقع رفل حضور يوسف بعد غياب خمسة اشهر و شعرت بالتوتر و هي ترى امها تدخله لغرفة الاستقبال.
كانت امها حذرة باستقبال الرجال في المنزل خوفا على سمعة ابنتها ان تزداد سوادا في نظر الناس، فهي الان تعرف نظرتهم اليها و اللقب الذي يطلق عليها، بانها كثيرة الرجال و انها لا تستقر مع احدهم اكثر من سنة.
نادتها امها لتحدث مع يوسف، كان الاخر جامدا اكثر تصلبا مما عرفته يوما و بدى انه انسان غريب كليا عنها،
عندما قالت السلام عليكم رد بهزة بسيطة من رأسه ثم قال بعد ان اعطتها رفل نظرة متسائلة : جئت من اجل جنى، اريد ان اخذها معي.
تحول وجه رفل للشحوب و اتسعت عيناها رعبا لكن يوسف قاطع ما همت بقوله: لا تخشي شيء، سآخذها ساعات قليلة لتراها امي ثم سأعيدها.
-لم اكن انوي الاعتراض، هذا حقكم.
لكنها كانت تكذب فقد خشيت ان يقوم بتهديدها او فعل شيء لانتزاع ابنتها منها و هي تعرفه مكره و خبثه.
قال بعجلة: هل أستطيع اخذها الان؟
-الان؟
اجاب يوسف بفروغ صبر و كأنه لا يطيق تواجده هنا: نعم الان، هل هناك مانع؟
كانت مترددة في ان تجيبه لكنها قالت بثبات: اعتقد ان الوقت غير ملائم، الساعة السابعة و النصف الان، بعد ساعة ستشعر بالنعاس وهي صعبة المراس عندما تريد النوم.
فركت جبهتها بعصبية و توتر ثم اكملت: الافضل ان تأخذها غدا بعد ان تأخذ كفايتها من النوم وبذلك لن تتعذبوا معها، تكون نشطة و حيوية صباحا.
قلص يوسف عيناه و لم يعجبه قول رفل، فحتى ان كانت الطفلة مشاغبة او شقية فهي لا تزال ابنته و لن ينزعج ان عذبته قليلا لكنه لم يعترض فامه المريضة لن تحتمل مزاج طفلة باكية طويلا.
-حسنا، هل يمكنك احضارها لأراها.
بسرعة هرولت رفل لإحضار ابنتها هروبا من نظراته و من عدائيته، تحركت الطفلة بقدمين مهتزتين داخل غرفة الاستقبال وهي تعبث في المقاعد الموجودة على الأرائك، لم يقترب يوسف منها فورا بل حدثها بهدوء حتى هدأت و لم تستغرب منه ثم حملها مقبلا و اخذ يستنشق رائحتها الذكية. كان لرائحة الاطفال رائحة لا توصف كأنها رائحة الفردوس.
اختفت رفل بينما الام قدمت له الضيافة و تركته بعدها مع ابنته، كان شعوره الان مزيج من الندم و الحزن والأسى، لم يكن ينوي الاقتراب منهما بعد الان، لكنه لم يستطع، انه يشعر بالحنق على نفسه لأنه طلق رفل و قتل طفل كان ليكون رابط جميل اخر يوثق علاقتهما، مشاعر الشك و الغيرة كلها اضمحلت الان و اصبحت رماد فلم يبقى له غير الندم، عرف ان لعنته الحب الذي لن يعيشه معها مرة اخرى..
الكثير من الاحيان تنتابه افكار شريرة لإرجاعها تحت عصمته، فهو قادر ان يعيدها كزوجة له حالا لكن ما الذي سيفيد تحايله ان رجع لنفس الدائرة من الشك و الشعور الغير متبادل عالما ان نفسها و روحها و كيانها وحتى جسدها لا يقبله، كان يعرف انها امرأة لا تقبل الذل و المهانة على نفسها، لا تستطيع قبول تعنيفها و ضربها ثم تعيش معه كان ما حدث لم يكن.
كما ان حقده و تفكيره المنطقي عاد ليعمل مرة اخرى، وهو يتذكر اتهامات رفل و اقوال سعاد التي طردت وهي تايد رفل فيما قالت، فشملت شكوكه مريم رغما عنه لكنها امرأة يصعب الشك بها، حاول ان يراقبها يفحص هاتفها يتحقق من سجلاتها في السنة الماضية فلم يجد ذرة غبار عليها.
قرر ان يوجه شكوكه نحو عائلة عمته الان و سيعرف الحقيقة منهم عاجلا ام اجلاً. وان لم تكن هناك حقيقة فسيسلم بقول امه ان ما حدث سوء فهم.
عندما غادر اخبر رفل انه سيمر العاشرة صباحاً غدا، وهكذا كان يأتي كل اجازة من عمله يأخذ المشاغبة جنى نهارا كاملا في منزله ثم يعيدها ليلا لحضن امها.
مضى هذا الحال حتى اصبح عمر جنى سنتين و اصبحت ابنتها ذكية لا يسيطر عليها و تسرق قلوب جميع من رآها وقد اعتادت الطفلة على يوم العطلة كل شهر عند بيت والدها. و عندما اطمأنت رفل لاستقرار حياتها قررت اخيرا ان تسعى لم كانت تطمح له من البدأ و سيكون حظها اوفر الان، قدمت اوراق شهادتها للجامعة ثم بدأت تراجع عدة دوائر حتى تمشي معاملتها و مع كل التعقيدات التي تصاحب تغير اللقب العلمي و مكان الوظيفة لم تتراجع رفل بل واصلت حتى باشرت عملها في الجامعة كأستاذة جامعية وان لم يكن ما ستقدمه مادة اساسية لكنها تعلم مع الخبرة ومع اصرارها سيتغير منصبها.
اختلفت ساعات العمل و طالت لكنها لم تخشى ان تؤثر على ابنتها بل سجلتها في حضانة الجامعة مع بقية الموظفات و الاستاذات و هكذا اختلطت جنى مع اطفال اخرين فأصبحت اكثر الفة و تقبل للناس.
كانت رفل تحيط نفسها بالغموض في الجامعة ولم تعلن بشكل رسمي عن طلاقها لكن ما كتب في بطاقة الاحوال الشخصية هو ما كشفها، وهذا ما زاد في طمع الرجال المحيطين بها، البعض منهم كان يتحرش بها بكياسة و البعض بلا تهذيب و في هذه المواقف تثبت الانثى معدنها، احاطت بنفسها بهالة لا تسمح لاحد بالتعدي معها و لو في سبيل المزاح، كان من الاساتذة في جميع القسام من له عين نجسة يتحين الفرصة لاقتناص فريسة و كانت رفل صغيرة السن رائعة الجمال فريسة مناسبة في اعين الكثير منهم، من لم يلقى منها تجاوبا او اهتماما بدا يتخذ طرق شرعية للظفر بها، واخرهم كان استاذ من قسم الاحياء في الخامسة و الاربعون من عمره، قصير اصلع يبدو اكبر من عمره وكان عندما يقف ليحادثه يبدو كأبيها لكن من يقترب لسماع حديثه سيتعجب من النبرة المقززة و طريقة المراهقين في الحديث.
-اتمنى ان توافقي، سأسجل شقة باسمك و ابنتك ستكون كأبنتي و اي شيء ترغبيه سيكون مجابا و بين يديك.
نظرت رفل له بهدوء لم يظهر اي انفعال على وجهها: شكرا لعرضك ولكن لا استطيع القبول به و اتمنى ان لا يتكرر مرة اخرى ومن الاحرى ان لا تفكر بخيانة زوجتك و اولادك فهم اولى بالشقة و بتلبية حاجاتهم.
-فكري اولا قبل ان تعطيني جوابك، فانت شابة صغيرة و مطلقة و لن يحميك و يسترك غير الزواج.
نظرت له رفل بغضب مكتوم لكن سيطرت على نبرتها فالعصبية سوف تسيء اليها: اني محترمة و مستورة و كلامك هذا خال من الذوق و التهذيب وان تكرر مرة اخرى سيكون لك كلام مع رجال عائلتي و عمومتي، وحتى ان اردت ان اتزوج لن اتزوج شخص بعمر أبي.
تركته مبتعدة و تمنت ان لا يتكرر هذا الموقف مرة اخرى، وعندما عادت للبيت وفي المساء اشتكت لرؤية التي لم تنقطع العلاقة بينهن عما تتعرض له، تشكي لها من سوء حظها و تطلب منها النصيحة دائما.
-تخيلي ان يعرض استاذ بعمر ابي الزواج مني ثم يهينني بقول انه سترا لي، وهل المطلقة مكتوب في ظهر بطاقتها عاهرة.
-لا تغضبي ، كما مرة اخبرتك ان تعتادي على هذا الوضع، هل بإمكانك اصلاح نظرة مجتمع كاملة، انت مطلقة و عليك علامة استفهام مهما كانت اخلاقك، ثم ماذا بها، عليك بالتفكير بالزواج.
-جديا؟
-نعم يا رفل، اعرف ما اقوله سيبدو متناقضا لكن المرأة تحتاج لرجل في حياتها، ستعرفين هذا و السنين تمر بك، تحتاجين لسند تحتمين به و ترتاحي تحت ظله، كما ان ابنتك تحتاج لوجود اب في حياتها.
غضبت رفل و هي ترد: اي كلام هذا، ما تقوليه هراء، كم من ام ربت ابنائها بلا اب و لا وجود لرجل، كم ارملة رفضت الزواج فقط من اجل اطفالها، هل تظنين ان من الصعب علينا ان نربي و نعيش دون وجود رجل، انت مخطئة ان تصورت ان الرجل سيكون ضروري في حياتنا.
-لكنك كأنثى ستتوقين لوجود احدهم في حياتك، نحن من لحم ودم و لنا مشاعر حاجاتنا، وان كانت لك تجربة سيئة مع احدهم لا يعني ان الجميع سيكون سيء. تخيلي ان تكبر ابنتك و تعيش حياتها و تتزوج و ماذا يبقى بالاخير، انت بمفردك لا انيس لك، ستكونين باردة وحيدة.
لم يكن هذا الوقت المناسب لسماع اراء رؤية او فهمهم فرفل لا تزال مجروحة و صغيرة تنظر للحياة بمنظار اصغر.
-المضحك يا رؤية حتى لو قبلت برأيك هل تظنين ان هناك رجلا سيتقبلني، انا الملقبة بأم الرجال، الخائنة التي تبيع رجل من اجل اخر ثم تخون الثاني، هل تعرفين ما يقوله الناس عني، هل تعلمين في اي هاوية انا، يوسف سرق كل شيء مني و ترك حطام خلفه و للان اتخيل انه سيأتي و يسرق املي الوحيد في الحياة.
-لا تعلمين ما يخبئه الله من اجلك، المهم ما اقصده انك لا زلت صغيرة وجميلة وفرصتك في الحصول على قسمة جيدة اكبر الان، فلا ترفضي ان اتت بل فكري مليا من اجل ابنتك ايضا.
-احيانا اتمنى ان اغترب و اذهب لدولة اخرى..
-هههههه لن يفيد هروبك يا عزيزتي فماضيك ملتصق بك.
عرض هذا الحديث امام يوسف، فهاتف رفل القديم لا يزال يحتوي على حسابها في مواقع التواصل، كانت قد نسيت امره عندما طردت من منزل يوسف لكنه وجده و كان يعرف رمزها فراقب حساباتها بفضول جارف، كانت تستخدم الماسنجر في اغلب حديثها مع رؤية فيعرف المستجدات من حديثهما، احيانا يتمنى انه لم يجد هاتفها و ان لا يشعر كما يشعر الان ونار الغيرة تكتويه عندما يقرا ان رجل عرض عليها الزواج او يشعر بالحقارة عندما تشتكي من الناس حولها.
لم يضع يوما في حسبانه سمعتها، وانظر ماذا حصد من حقارته، فحتى ابنته لن تسلم من اذية الناس و اتهاماتهم.
قرر ان يتخلى عن شكوكه وان يحاول ان يعيدها لعصمته، سيطرح عليها الفكرة و الاسباب، سيحاول اقناعها بالمنطق، ان تعود في ذمته افضل من ان تبقى عرضه لاحاديث الناس.
وهكذا عندما اخذ جنى و اعادها ليلا طلبا من والدة رفل ان تناديها، استغربت المرأة و لم تعترض وهي تسمح له بالدخول للبيت، دخلت رفل بتوجس وخيفة و لم تنطق الا بتحية مقتضبة.
-هل يمكنك الجلوس يا رفل، اريد ان احادثك بأمر مهم.
جلست رفل بثقة نفس مصطنعة وهي تشير له ان يتكلم.
- اتمنى ان تفكري قبل ان تردي جوابك فهذا من اجل مصلحة ابنتنا، يا رفل اريد ان تعودي لي زوجة، اعرف ان ما حدث بيننا كبير و لا ينصلح لكن السمعة لا تعوض و ابنتك تحمل سمعتك على ظهرها و ما يقال عنك اليوم سيقال عنها غداً.
رمقته بنظرة مطولة شاردة ثم قالت وهي تعيد السيطرة على نفسها: ان الحديث عن السمعة تكرر كثيرا، فدعنا نتكلم واقعا هل تظن ان سمعتي ستنصلح ان عدت و تزوجتك ما تم تلطيخه لن ينظف ابدا، سأكون دوما المرأة الخائنة في عيون الجميع، انظر لي يا يوسف و اخبرني انك لم تشك بي بعد الان. اعرف ان اتهامات عمتك وابنها لا تزال ترن في اذنيك و انا اعذرك على ما فعلته يومها لكن لن اسامحك على فصلك ابنتي عني، و انصحك ان لا تعرض الزواج على امرأة يخامرك الشك بسلوكها.
-من اجل جنى تنازلت واردتك ان تعود لي، يمكنك ان تبقي هنا في منزلك و بوظيفتك لكن الارتباط سيبعد الرجال عنك و افواه الناس ستصمت.
قالت بسخرية تذكره بفعلته: كنت متزوجة قبلا و لم يبتعد الرجال عني الارتباط لا يعني لأمثالك من الرجال شيء، و الناس سيجدون اي شيء اخر للحديث عنه، لن يصمتوا ابدا.
امتقع وجه يوسف: كما ترغبين..
-هل هذا كل شيء؟
نهض يوسف وخرج دون ان يجيبها، شعرت رفل بالارتياح انه لم يصر اكثر، كان كلامه لا يزال يدور في عقلها و كلمة تنازل من اجل جنى تؤذيها، علمت انه لا يزال يشك بها و لا تعلم ما غايته من هذا العرض.
و في الليل راسلت رؤية و هي تطلعها على الاخبار: تخيلي انه قال قد تنازلت من اجل جنى، كدت ان الطمه على وجهه، وان تنازل عن مال و حاله لن أقبل به.
-اممم الا يوجد مجال للصلح، اعرف ان ما قاسيت صعب لكن اقتراحه ليس سيء، كما قال من اجل جنى. الا يجدر بك الحديث معه و توضيح ما حدث يومها، ربما لو اخبرته بالتفاصيل لزال سوء الفهم..
-بربك رؤية ماذا اقول و ماذا اتحدث، اي تفاصيل و اي سوء فهم، ضربني يوسف دون ان يسمعني، صدقهم ولم يصدق حرف مني، المضحك ان عائلته تدعو للشك كلها، عمته متصابية خفيفة غير رزنه يخجل اي انسان من الخروج معها و كانت تعلم بنظرات انور الزائغة لمريم، لقد سمعتها تهدده بان يبتعد عنها و اما بناتها فاستغفر الله منهن، لا لهن حسيب و لا رقيب، يدعون الدين و الالتزام لكن بناتهم يسترن عهرهن بالحجاب، الكبرى تخرج النهار كله و لا احد يسألها اين كنتِ و الوسطى تخرج من البيت بحال و تعود بحال اخرى، احيانا اظن ان الله انصفني، فيوسف سلط نظره علي بالحرام فاتى من سلط نظره بالحرام على حرمة بيته، كما تدين تدان.
-يبقى سوء فهم يا رفل فالرجل كما قلتي يذهب اسابيع لعمله و عندما يعود للمنزل يهتم بشؤون ممتلكاته، ربما انه رجل عملي يتوقع من اهل بيته الاستقامة.
-للأسف توقعاته لم تصب. كفى دفاعا عنه، اراك هذه الايام تشجعين على الارتباط، هل هناك شيء مثير يحدث في حياتك؟
-ههههه لا والله، لكن يمكنك القول ان نظرتي بدأت تتغير، الامور لا تبقى كما هي، ابني بدا يكبر و حمله يزداد، ضرب اليوم ابن اخي و لم احتمل عندما ضربه اخي من اجل ابنه، هناك اشياء لم انتبه لها الا في الآونة الاخيرة.
لانهما مطلقتين كانتا يفهمان بعض وكان كلامهما يكشف الكثير ليوسف و يجعله ينتبه هو ايضا لاشياء لم ينتبه لها، ازعجه بقوة حديث رفل عن عائلته و اراد ان يثبت انها مخطئة، ربما تكون روان جريئة معه لكنها لم تكن كذلك مع غيره او هذا ما يعتقد.
بعد ان قرر ان يتابع احوال بيت عمته كاد ان ينهار يوسف مما كشف، اولهم مصيبة ميسم المتزوجة بالسر الى سارة الصغيرة التي تصادق ذكور بعدد اصابع يديها. اما عمته فكان يخجل ان يفكر بأفعالها، رغم انه لم يبخل عليها بالمال او على اولادها لكنها كانت مطلوبة دين لأغلب المحال التي ترتادها و الكل يطالبها بالسداد من غير تبؤئها منصب الخاطبة لمعظم بنات رفيقاتها. وانور كان مستهتر يترك عمله حتى يتولاه غيره و زوجته منذ ثلاث شهور في بيت اهلها منفصلة عنه.
اتصل بعمته لتجلب البنات معها و كانت النيران تسعر داخله وهو يمشي ذهابا و ايابا، امه و مريم حبسن انفاسهن خوفا من منظره،
دخلت صفية يتبعنها البنات و هن يتمازحن فيما بينهن لكن عندما رائن منظر يوسف توقفن وحدقن بصمت، لم تتوقع ميسم ان يقترب يوسف منها بسرعة و يمسكها من مؤخرة راسها يجرها بقوة و هو يصرخ: تتزوجين سرا؟ زواج عرفي لأجل ماذا يا فاسقة.
لم تعرف النسوة هل يصرخن من كلماته ام قوة ضرباته على جسد ميسم المتيبس بخوف، اندفعت صفية ولم تعد تحتمل منظر ابنتها تحت رحمة يوسف الذي لا يعرف الرحمة، صرخ بها هي الاخرى: وانت وانت يا صفية اي خزي جلبته للعائلة، كم عمرك خمسون؛ ستون وانت لا تعرفين التصرف، الدائنون على الباب يطالبون بأموالهم.
كاد يهم بضرب عمته الا ان امه صرخت به تستحلفه بالله ان لا يفعل.
عاد بنظره لساره: وانت بعدك بطول العلقة وتفعلين ما لم تفعله العاهرات.
وضربها هي الاخرى كما ضرب اختها الكبرى وهو يصرخ انها ستحاسب على كل خطوة تخطيها، فقط روان من نجت من سوط كلماته و ضربه.
قرر يوسف ان النساء لا يستقمن الا بالسوط و الضرب، لا يجب ان يفسح لهن مجالا مرة اخرى.
عندما تركهن يوسف تقدمت مريم منهن و هي تساعدهن على النهوض و تحركهن لغرفة صفية السابقة و هناك بدأت موجة من اللوم مرة اخرى بين الام و بناتها. وكن يعتقدن ان مريم في المطبخ عندما ذكرن كل شيء و من ضمن حديثهن هددت ميسم امها انها ستفضح فعلتها و ايقاعها برفل و ان تجرأ اخيها على مد يده عليها ستكشف عشقه و عينه النجسة اتجاه مريم.
شهقت مريم مما سمعت و كانت تظن كلام رفل السابق الا سم وخباثة من الزوجة الثانية، لم تتصور ان ما قالته حقيقة. اطلعت عمتها ام يوسف على ما سمعت فهزت المرأة رأسها بلا تعجب و كأن هذا الاحتمال على بالها.
-اتركي الامر و لا تفتحيه يا مريم، ان يوسف سيقتل انور لا محالة لو علم.
-لكن يا عمتي حرام ان نخفي الحقيقة، لقد ظلمت رفل و تم تشويه سمعتها و تلطيخ شرفها.
-ما باليد حيلة، فكري يا أبنتي انك بهذا تصدين شرا عظيما و بلاء عنا.
لم تقتنع مريم بكلام عمتها و لم تستطع النوم حتى اذن الفجر، صلت و طلبت من الله ان يهديها للفعل الصح، على الرغم ان الصلاة دائما تشرح صدرها لكن اليوم السر يكتم على صدرها لذلك خرجت من غرفتها تبحث عن اثر ليوسف، تعرفه انه عاد لكنه لم يأتي لغرفتها.
وجدته في غرفة المكتب جالسا يتأمل ما يوجد خارج النافذة و حالته لا تسر احد. اقتربت منه و هي تدعي الله ان يدفع عنهم البلاء.
-يوسف..
رفع يوسف نظره للمرأة الواقفة عند الباب، حتى مريم بدأ يشك بها مهما تبدي من براءة و طهارة لكن ما تفوهت به لاحقا جعلته يدرك من اي نوع هي من النساء، انها من نساء الجنة، انها تعيش لأخرتها لا لدنياها.
-اريد ان ابري ذمتي يا يوسف، واستحلفك بالله و بملائكته لا تتهور، دع الله بين عينيك.
-ماذا هناك تفوهي ولا تطيلي الكلام!!!
ترددت قليلا و هي تقترب داخل الغرفة حتى امسكت يده بحزم: اعتقد انك ظلمت رفل، ربما ما قالته لم يكن كذبا، لقد سمعت اليوم العمة صفية و ميسم يذكرن شيء حقير...
نظرت لعينيه حتى يفهم ما تقصد، تجمد يوسف حرفيا دون ان يطرف له جفن وهو يحاول ان يستوعب ما تقوله.
-هل تقص...
لم يستطع نطق شيء و لم تستطع هي، فصرخ بها: هل كنت تعرفين؟
نظرت له بغير فهم : اعرف ماذا؟
نفض يديه عنها وهو يقول مزمجرا: بنظراته لك بأفعاله، ان لم تكذب رفل فانك...
اي هراء يقول، لو كانت تعرف لم اتته معترفة، نظرت مريم له بتفهم لكن عينيها عكست عمق جرحها منه.
-لم اعرف يا يوسف لم يكن احدنا يعرف، لا تلم نفسك و لا تغضب بدون تفكير. ما حدث قد حدث وربما هي مشيئة الله، حاول ان تصلح خطئك.
كان نبل تصرفاها شيء يدعو للعجب فهي تحثه على ارجاع رفل كزوجة مرة اخرى لكن بعد ماذا، هل ترك شيء بينهما ليصلح.
ها قد تشوش ذهنه اكثر و تشتت في كل الاتجاهات، كان يشعر بنيران تحرق كيانه كله وهو يتخيل انور ينظر لزوجته بعين فاسدة شهوانية لم يعتقد ان في نفسه هذا الكم من الغيرة على امراته. الا انه رجل شرقي وتخيل هذا الشيء يصيبه في صميم رجولته و كرامته.
تلت هذه الساعة ايام هوجاء عاصفة، اقام الدينا بها و اقعد، بدا من حل مصيبة ميسم وتزوجيها علانية من الشاب الذي ارتبطت به سرا من اجل متعة زائلة الى حرمان انور ونفيه عن العائلة وكاد يقتله لولا مرض امه الذي زاد خوفا من تهور ابنها.
الا مشكلة رفل لم تحل و لم يكن بشجاعة مريم ليعترف لها بما حدث، كان يعرف انها ستشمت به ثم تطرده دون ان تقبل اي اعتذار صادق يقدمه.
كل ما كان يستطيع فعله هو مراقبة حسابها حتى ذات يوم كانت قد غيرت الرمز السري، كانت قد استبدلت هاتفها بواحد جديد وعندما ارادت ادخال الايميل و الرمز كان يقول هناك خطأ في الرمز، يبدو انه نسيته لذلك حاولت تغيره بما ان حسابها مرتبط بالايميل وهو يعمل على حاسبتها الشخصية وهكذا انقطعت اخبر رفل عنه نهائيا، لا يعرف عن يومها شيء، في البدا ترصدها لكن غيابه للعمل ايام طويلة جعله يدرك انه لا فائدة من هذا الترصد.
تركت رفل بعد ثلاث سنين منزل عائلتها واستجرت شقة في منطقة سكنية راقية حيث كل عائلة تهتم بشؤونها و الغيبة و النميمة فيها اقل من الاحياء الشعبية.
كلما كبرت ابنتها شعرت بمسؤوليتها تزداد، ويجب ان تكون الام المثالية في عيون الناس جميعا، التزمت بالحجاب و الحشمة وهي تعرف نظرة المجتمع للمرأة، فهو يحكم على المظاهر لكنها لم تلتزم من اجلهم بل من اجل رضا ربها، فان رضا الله عليها استقامت حياتها و سهلت و هذا ما التمسته في كل خطوة تخطيها.
كانت تعرف ان الله سهل لها الكثير من الامور لكن نظرة المجتمع لها كامرأة مطلقة لم تتغير، كان هناك دوما مفترس يريد افتراسها و نهش لحمها فعرفت قصد رؤية عندما اخبرتها ان نظرتنا للأمور تتغير واننا يجب ان نأقلم حياتنا مع الواقع الذي نعيشها، لو لم يكن هناك بنت لها لم اهتمت لما يقوله المجتمع، لكن من اجل ابنتها فقط قومت نفسها و ضحت بالكثير من الاشياء من اجلها. و دعت الله ان كان يخبئ لها نصيب فليكن جيدا يثمر طوال العمر.●○●○●○
النهاية11-11 -2020
أنت تقرأ
الظالًِم
ChickLitان المرء يشتهي الثمرة المحرمة اشتهاءً مضاعفاً .......؟!! كان وجهها متورم و خدها تكونت عليه كدمة سريعة حمراء تتدرج للون القرمزي القاني و انفها و فمها يسيل منهم الدم و هناك قطع على شفتها و تورم كبير تحت عينها اليسرى. بدت بحالة مزرية جداً لم يهتم يوسف...