سوف تفقص البيضة قريبا...و ستصير تنينا يستطيع التحليق إلى أبعد الحدود...لكن يوما ما...سوف تفقد أحد أجنحتها...و لن تستطيع التحليق به أبدا...فقط جناح واحد...و حياة واحدة لن تتغير بعدها...
مازلت أتذكر هذه الكلمات...فقد تحققت بعد مرور كل هذه السنوات...جلست في غرفتي و أنا أفكر في ماذا سأفعله بعد أن حصلت على ما أريده...هل يجب علي الذهاب إلى ذلك المكان بنفسي....قبل ثلاثة أيام أرسلت ديريك يبحث عن مكان تواجد ميلاني...فالشخص الوحيد الذي كان يعرف مكانه قد رحل منذ سنوات مضت...أخذ ديريك يسأل و يبحث طيلة الثلاثة أيام...بعدها جاء و أخبرني عن المكان...فقد كانت في شارع الورود الخمس...بعيد بعض الشيئ عن المنزل لكن لا بأس...طلبت من مولي مرافقتي بدل ديريك رغم طلبه...لا أستطيع أن أرافقه...لا أريده أن يسمع ما فعلته...و أنا في السيارة أحسست بالتوتر و الخوف...فقد أخبرني ديريك أنها مازالت حية ترزق...حينها عندما ذهبت رفقة ميرتيل أول مرة كان صوتها ضعيف و وهن...يدل على كونها عجوزا في ذلك الوقت....لكنها مازالت حية بعد مرور هذه السنوات...بعمر المئة و ثلاث سنوات...أمر مرعب...قالت مولي و قد لاحظت توتري:((لا تقلق كل شيئ سيكون على مايرام)).
بعدها وقفت السيارة و توقف قلبي بدوره...قالت مولي:((لقد وصلنا)).
أومأت برأسي ثم فتحت الباب و أخذت عصاي أتحرك برفقتها...عادت إلى ذاكرتي ذلك اليوم عندما ذهبت رفقة ميرتيل...كنت أشعر أيضا بالخوف و التوتر.. لكن لمست يدها جعلتني أشعر بالأمان...مثلما تفعل مولي أيضا الأن...مع كل خطوة أخطوها نحو المكان أتذكر كل لحظة عندما وطئت قدماي هذا المكان للمرة الأول...توقفنا ثم سمعت صوت الجرس...بعدها سمعت صوت خطوات ركض مسرعة...و صوت الباب وهو يفتح...تحدث صوت فتاة صغيرة وهي تقول:((مرحبا)).
قالت مولي:((هل هذا منزل السيدة ميلاني؟؟)).
أجابت الفتاة:((نعم هذا هو)).
لتقول مولي:((أيمكنك إخبارها أن أشخاص يريدون رؤيتها)).
قالت الفتاة:((حسنا)).
ثم سمعت صوت خطواتها و هي تبتعد ثم قالت من بعيد:((جدتي هناك أشخاص يريدون رؤيتك)).
إذن لديها حفيدة صغيرة...لم أسمع البقية...جائت الفتاة بعدها ثم قالت:((تفضلوا إنها بالداخل)).
أمسكت مولي يدي ثم دخلنا...لم يتغير أي شيئ...نفس الروائح...و نفس إحساس لدغة الدخان في عيناي...مثل الماضي تماما...بعدها ساعدتني مولي على الجلوس...ثم تحدثت العجوز:((أهلا بكم من أنتم؟؟)).
لم يتغير صوتها أيضا...أحسست بدقات قلبي تتسارع...مثل ذلك اليوم أيضا...فما زلت أشعر بالخوف رغم مرور كل تلك السنين...قالت مولي:((نحن...)).
رفعت يدي كي أقاطعها....أنا من سيتحدث...قلت:((أنا إسمي لوك...لقد جئت هنا في الماضي رفقة ميرتيل عندما كنت شابا...)).
لاذ الصمت للحظة...ثم قالت العجوز:((أوه التنين الصغير)).
لقد تذكرت!!!...أجبتها:((نعم التنين الصغير)).
قالت العجوز:((لقد سمعت ماحدث لميرتيل أسفة على هذا...لقد كانت إمرأة قوية)).
قلت:((نعم و أكثر من ذلك...)).
كانت محاربة لا تعرف الإستسلام...قالت العجوز:((لقد كنت أنتظر اليوم الذي سوف تعود فيه إلي...إذن لقد فقدت أحد أجنحتك التي لن تعود لك أبدا...)).
أجبتها:((نعم...وقد كنت على حق.. حدث ما قلته لي سابقاً)).
لم أعد قادرا على التحمل...جثيت على ركبتي و بدأت الدموع تنزل من على وجنتاي و أنا أتألم قلت لها متوسلا:((فقط أخبريني ماذا سأفعل...أرجوك لم أعد أتحمل الأمر منذ ذلك اليوم...لقد تذكرت كل شيئ...لم أستطع أن أسامح نفسي...شعرت بالغضب و الحقد لما أردت فعله...و هذا جزاء ما كنت سأفعله...و ما زلت أعاني من الكثير جراء هذا...كل مرة أفقد فيه أشخاص أحبهم...مقربين إلي...فقط أخبريني كم من شخص أخر سأفقده... ساعدني أرجوك...ماذا سأفعل....)).
بدأت أبكي و أنا أحترق من الألم...حاولت مولي أن تهدأ من روعي...لكن الأمر يريد أكثر من هذا...قالت العجوز:((أنت من يجب عليه أن تقرر مصيرك بنفسك...هل تذكر تلك الكلمات التي كنت أتمتم بها عندما كنت أمسك بعينك ذلك اليوم؟؟...)).
نعم...مازلت أذكرها جيدا...قلت بصوت مبحوح:((عندما ينقشع النور في عقلك... سيظهر السواد الذي بداخلك...)).
قالت العجوز:((وهل رأيت السواد؟؟)).
أخذت أحاول التذكر...نعم تلك الكلمات التي قالها...أينما ذهبت سأذهب...كل ما تراه أراه...أنت هو أنا و أنا هو أنت...مهما أبعدتني...سأتي من جديد...ضع يدك فوق يدي...لكي نعيش سوية...قلت و قد فهمت معنى كلامها:((نعم...رأيته في حلم...)).
قالت و قد أحسست بملمس يدها و هي تمسك بيدي:((هو الذي سيساعدك...جانبك المظلم هو ملاذك...عزيزي لوك)).
سقطت دمعة باردة من عيني اليسرى...هذه الكلمة...كم إشتقت إليها...ملمس يدها يشبه ملمسها...رغم رحيلها...و ما زالت تساعدني...فقط أريد سماعها من فمك من جديد...سماعه وهو يقول كلمة عزيزي لوك....أتذكر ذلك اليوم...عندما و ضعت قدماي فوق حافة النافذة...و مولي قد غادرت لتأتي بالولدين...أخذت الرياح تحرك خصلات شعري و أنا أشعر بالخوف و الفزع...ما الذي أفعله في هذا المكان...فقط ماذا أريد القيام به بحق الجحيم...فقدت للحظة الشعور بالحياة و الوجود...كل ما أريده هو أن أغلق عيناي ثم أسقط و أختفي...ترددت و أنا أحاول إزاحة قدمي...لكن و المكان يدور من حولي إنقشعت ذكرى في رأسي كما يفعل الضوء عندما ينير الغرفة...و تذكرت ذلك اليوم المشؤوم...اليوم الذي بدأت فيه قصتي و حياتي هذه...المنعرج الذي أخذته بنفسي...سقطت على الأرض من شدة الصدمة...مرت الذكرى كشريط في مخيلتي...كل ما حدث لم يكن صحيحا...كل ما قلته كان كذبا...أنا السبب في ما حدث...لكن لماذا لم أتذكر هذا حينها...هل فقدت ذاكرتي...أم لم أستطع تقبل الأمر و تعايشت معه طوال هذه السنين...فقط ماذا كنت سأفعله و لو قتلته... في ماذا كنت أفكر بحق...لم أستطع ليلتها أن أنام...فقد وجدت سببا يمنعني من السقوط...سببا يجعلني أعاني أكثر مما أعانيه الأن...هل هذا هو شخصي الحقيقي؟؟؟...هل هذا هو لوك الذي كنته طوال حياتي السابقة؟؟..من أنا؟؟؟....و ماذا كنت أريد أن أحققه بفعلتي تلك؟؟؟....ما هو؟؟؟...
كان هناك طفل صغير يجلس في الجانب الأخر من الغرفة و هو يبكي و ينتحب...عندما تحركت نحوه قفز و قام بعناقي وهو يقول:((أخي أرجوك ساعدني لقد قام بضربي مرة أخرى)).
كانت الكدمات تعلوا وجهه...تحدثت لكن بصوت مغاير:((ماذا فعلت له من جديد؟؟..)).
قال الولد الصغير:((لقد أردت فقط أن ألعب رفقة الأطفال في الخارج لبعض الوقت)).
قلت بصوت قريب إلى صوت طفل في الخامسة عشر من عمره:((لقد قلت لك ألا تفعل ذلك في وجوده...لا تتحدث معه مرة أخرى...)).
قال الطفل:((لكنه أبي...)).
قلت و قد عانقته من جديد:((رغم ذلك إنه لا يحبنا...فنحن لسنا من يريد أن يفخر بهم...)).
لأجد نفسي في دوامة من الظلام و الصراخ و البكاء...سقطت في غرفة مظلمة و يداي مكبلتان بسلسلة من حديد...و الألم يسري في جسدي بأكمله... حاولت الكلام لكن شيئا ما إبتلعني ثم إستيقظت بعدها...رأسي يؤلمني و شيئ ما يغطي عيني...سمعت صوت مولي و هي تقول:((لقد نجحت عزيزي....كل شيئ على ما يرام الأن)).
أنت تقرأ
أعمى
Romanceكم هو صعب أن تكون شخصا عاديا يستمتع بحياته و شبابه..و في لحظة يختفي كل شيئ و تجد نفسك وسط ظلام كاحل..لترى بعدها حقيقة من تحب و حقيقة من كنت تكره..ومن سينتصر في النهاية..النور المليئ بالحب و الصداقة..أم الظلام المشبع بالكره و الخيانة..أو كليهما.. "أ...