الإمتحان الأخير

550 28 3
                                    

إستيقظت مبكرا اليوم،فالعجوز ستأتي للقيام بخطوة جديدة،لقد بدأت أتغير من أول خطوة لي حتى الأن،أسرعت من مكاني بتثاقل..و أخذت أغسل وجهي و أسناني بسرعة..إرتديت ملابس جديدة..فقد كانت هذه الأمور سهلة القيام مثلما كنت أفعل قبل أن أكون أعمى..وهي من بين الأشياء الجيدة..توجهت للأسفل لتناول الفطور..أخذت أتناوله بسرعة رفقة أبي..ثم صعدت بعدها لغرفتي من جديد..كان بابي مازال نائما في مكانه..أخذت ألمس فروه الدافئ و أنا أتخيل شكله..فمنذ أن أخبرتني العجوز عن معاناته هو الأخر..بدأت أحبه أكثر من الأول..أحاول إعطائه قليل من الدفئ و الحب الذي لم يرهم وهو صغير..رغم إعتناء العجوز به،فهو مازال يحتاج للمزيد..أخذت رقعة الشطرنج و بدأت ألعب لوحدي بإنتظاري مجيئها..مرت دقائق حتى سمعت صوت أمي وهي تقول:((لوك لقد أتت ميرتيل)).
لكنني سمعت صوت أقدامها وهي تصعد و كذلك سعالها الحاد..فمازالت أثار إصابتها بالبرد قائمة..قلت عندما دخلت إلى الغرفة:((مرحبا)).
قالت بصوت مبحوح:((أسفة على التأخير..فقد كنت متعبة بعض الشيئ)).
قلت:((لقد سمعت سعالك من الأسفل)).
قالت:((نعم فالجو مليئ بالغبار هذه الأوقات،مازاد من شدة سعالي..لكن لاتقلق أنا بخير)).
قلت و أنا أحاول جمع رقعة الشطرنج:((إذن ماذا سنفعل اليوم؟؟)).
قالت:((قبل ذلك سنلعب الشطرنج..جولة واحدة)).
قلت و أنا أعيدها إلى مكانها:((حسنا)).
ثم بدأنا نلعب..كانت الجولة طويلة بعض الشيئ..إستيقظ بابي و نزل بدوره للأسفل لتناول فطوره..فدائما مايترك له أبي طعاما في صحنه الخاص..في نهاية الجولة كانت العجوز من فازت..وهو شيئ طبيعي أن يحدث...

جلست بجانبي فوق السرير عندما إنتهينا من لعب الشطرنج لجولة إضافية..و التي فزت بها أنا..قالت:((مبروك لك)).
أجبتها بفرح:((شكرا لك..إنها ثمار أيام من التدريب)).
قالت وهي تقف و خطواتها تتحرك في الغرفة:((إذن كما تعلم..لم أخبرك بعد بعدد الخطوات التي يجب القيام بها)).
قلت:((لا)).
قالت:((حسنا..أقوم بثمانية خطوات)).
إذن تبقت ثلاثة خطوات..قلت لها:((إذن لقد قمنا بخمسة و تبقت ثلاثة)).
قالت:((نعم)).
قلت:((إذن ماهي الخطوات المتبقية؟؟)).
قالت وهي تجلس بجانبي من جديد:((خطوة اليوم هي الإمتحان الأخير)).
قلت متسائلا:((الإمتحان الأخير؟؟..لكن لقد قمت بواحد سابقا!!)).
قالت:((أعلم هذا..لكنه سيكون مختلف)).
قلت بشك:((كيف؟؟)).
قالت:((بالنسبة للأشخاص الذين درستهم سابقا كانت إمتحاناتهم الأخيرة هي مقابلة مع أبائهم..لتحدث حول الأسباب التي أدت لأن يصاب إبنهم بالعمى..)).
قاطعتها قائلا:((لكن أمي و أبي ليسوا السبب)).
قالت:((أعلم ذلك)).
لم أفهم معنى هذه الخطوة أبدا..لا أعلم ماذا سأفعل حيالها..لكن العجوز أنهت كل شيئ:((أظنك لم تعلم بعد..)).
سعلت بصوت حاد ثم أتممت:((أسفة..سوف تقابل صاحب الشاحنة..التي إنزلقت نحوك وجعلتك أعمى)).
أحسست بدقات قلبي تتسارع..قلت بحلق جاف:((هل..هل هو هنا؟؟..في المنزل؟؟..)).
قالت:((لا..سنقابله في مقهى المدينة)).
لم أعلم ماذا أقول لها..لقد كنت متحمسا و متوترا و خائفا في نفس الوقت..لم تنتظر العجوز إجابتي..قالت:((و بالنسبة للخطوة السابعة ستكون الهدية..أي سأعطيك شيئا تتمناه بشدة..فأغلب من درستهم يريدون أن أعيد نظرهم..وهو شيئ مستحيل بالنسبة لي..لكنهم يطلبون هدايا مثل ألعاب الفيديوا و غيرها..و الخطوة الثامنة هي القراءة..أهم شيئ..)).
و أخيرا تحدثت:((حسنا..ماذا سيحدث بعد الخطوة الثامنة؟؟)).
تنهدت ثم قالت:((سأرحل)).
أحسست بألم في قلبي..كمن يشتاق لشخص ما..قلت:((إذن..لن تعودي من جديد)).
قالت وهي تقف من جديد:((أسفة..ولكن نعم..سأذهب لتدريس شخص أخر..)).
لم أجبها..لقد أحسست بحزن مفاجئ..هل حقا قد أحببت هذه العجوز الشمطاء؟؟..لم أعد أعلم..وقفت من مكاني..ثم تحركت نحوها ببطئ..قلت:((شكرا لك على كل شيئ فعلته معي)).
ثم قمت بعناقها..قالت وهي تربت فوق كتفي:((لم ينتهي الأمر بعد،مازالت أمامنا خطوتان للقيام بهما)).
لكن رغم ذلك سترحل..وتذهب لشخص أخر..وتغير حياته كما غيرت خاصتي..وهو الشيئ الذي جعلني أحس بالغيرة..فقد كان جزء مني يريدها أن تبقى معي..حتى لو عنى الأمر أن نلعب الشطرنج ليوم كامل..و أنا مازلت أعانقها قلت لها:((هل لديك أولاد؟؟)).
صمتت للحظة ثم قالت:((مازلت مصمما على معرفتي حياتي)).
قلت و أنا أتركها:((نعم..سترحلين عما قريب..لذلك أريد أن أعرف كل شيئ عنك)).
سعلت مرة أخرى ثم قالت:((حسنا حسنا..أه..لدي ولدان..فتاة و فتى..الكبرى إسمها "غازلي" وهي متزوجة و لديها ولد إسمه "كريستن" وهو حفيدي الغالي..لكنهم في مكان بعيد في أميريكا..أما الولد الأصغر..إسمه "جايكوب"..وهو يعيش مع أختي في إيطاليا..ولم أره منذ خمسة عشرة عاما..كان صغيرا حينها عندما ذهب..)).
قلت لها متسائلا:((لكن لماذا لم تريه؟؟)).
قالت بحزن:((فقط..رحل و تركني..دون سبب)).
قلت:((لكن لماذا؟؟..)).
قالت:((أظنني أم سيئة)).
قالت بعد أن سعلت مرتا أخرى:((ياإلهي حلقي يؤلمني..هيا فلنذهب أظن أن الرجل سيغضب في المقهى)).
لم أصدق ماسمعته..لقد تركها إبنها دون أن تعرف السبب..أمر غريب..و مؤلم بالنسبة لها..قلت لها قبل أن ننزل للأسفل:((أراك أم جيدة ميرتيل)).
قالت:((شكرا لك صغيري)).
نعم..أنت ام صالحة..فقط ما أجمل كلمة صغيري من فمك..هذا فقط سيجعلني أبقى بجانبك دون الغاية من الرحيل...

توجهنا أنا و العجوز نحو مقهى المدينة..حيث سنلتقي بسائق الشاحنة..الذي كان يساعد أبي في تسديد نفقات العلاج..و الذي كان سببا في ماحدث لي..قالت العجوز عند دخولنا:((إنه هناك..هيا بنا)).
أخذنا نتحرك حتى وصلنا إلى مائدة ما..قال رجل غريب:((مرحبا..تفضلوا..إجلسوا)).
لقد كان هو...ثم جلسنا بعدها..قال الرجل:((مرحبا..إسمي "كاريوس"..أنت لوك..أليس كذلك)).
أجبت بتوتر:((نعم)).
قالت العجوز:((إذن سيد كاريوس دون تأخير فلتخبر لوك بكل شيئ...)).
لتقول لي العجوز:((هل أنت مستعد لسماعه لوك؟؟)).
كنت خائفا جدا..وقلبي لايتوقف عن الرقص من مكانه..أحس كأنه سينفجر إلى أشلاء..لكن..أخذت نفسا عميقا ثم قلت:((حسنا.. أنا مستعد)).
ليبدأ كاريوس في الحديث:((حسنا..في يوم الحادث..كنت مكلفا بأن أذهب لحمل بعض السلع إلى لاس فيغاس..و لسوء الحظ كانت الأمطار غزيرة يومها..كنت طوال الطريق و أنا أتحرك ببطئ..كما قمت بفحص كل شيئ في الشاحنة قبل أن أتحرك..لكن عندما وصلت إلى شارع الفراشات..وجدته خاليا..لذلك زدت من سرعتي قليلا..لكن لم تكن السرعة هي السبب..فقد أسقطت هاتفي..فقد كنت أتحدث مع زوجتي..لذلك حاولت أن أحمله بسرعة..وقد فعلت..لكن لحظة أن رجعت إلى المقود كان كلب يقطع الطريق..لذلك حاولت تفاديه بسرعة..لتنقلب الشاحنة و تنزلق..فقدت لحظتها الوعي..و لم أرى ماحدث بعد..و إتظح في الأخير أنني كنت سببا في إنقلاب سيارة..كان داخلها شاب أصيب بعدها..بالعمى..)).
و أخيرا عرفت السبب..علمت كل ماحدث..أحسست بقليل من الغضب في تصرفه..لكن لم أتكلم معه..قال كاريوس:((أنا أسف)).
قلت مسرعا:((لابأس)).
كنت غاضبا جدا..فبسبب هاتف غبي حدث كل شيئ
.و إنقلبت حياتي إلى السواد..قلت للعجوز:((فلنذهب)).
قالت موجهتا كلامها لكاريوس:((شكرا لك على قبول الدعوة)).
أجابها:((لابأس كان من واجبي)).
لم أودعه..فقط أسرعت في الخروج لتنفيس عن غضبي..وقد رحل كله لحظة وقفت وسط الرياح المثقلة بالغبار...

ونحن في طريقنا نحو دريف بيست قلت للعجوز:((أشكرك على إحضارك له)).
قالت:((إنها خطوتك السادسة)).
قلت:((إذن مالخطوة السابعة)).
قالت:((الهدية..مثلما قلت سابقا)).
بدأت أفكر ماذا يمكنني أن أطلب..قالت مقاطعتا تفكيري:((لديك الأسبوع القادم بأكمله..)).
قلت بدهشة:((أسبوعا كاملا!!)).
قالت:((نعم..حتى يشفى هذا السعال..يجب أخذ قسط من الراحة)).
إنها على حق..وهكذا وصلت إلى المنزل..ثم أكملت طريقها نحو منزلها الخاص..و الذي لم أعرف مكانه أبدا..

أعمىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن