يوم جديد..بارد و هادئ..أصوات العصافير تزقزق فوق أغصان الشجرة الضخمة الموجودة قرب نافذة الغرفة...و أشعة الشمس الدافئة تلامس وجهي ببطئ..خرجت من السرير الدافئ..و نزعت منامتي و إرتديت ملابس للخروج..نفس الشيئ كل يوم..أغسل وجهي و أسناني..أتوجه إلى الأسفل حيث تضع أمي الفطور..أتناوله بكل هدوء..ثم أسقط فوق الأريكة الضخمة..أستمع للموسيقى المفضلة لدي..حتى تأتي العجوز ميرتيل...لنبدأ الخطوة الجديدة...
صعدنا إلى غرفتي حيث كان بابي يلعب..فقد قام أبي بشراء وجبات مختلفة له..فقد كان يأكل كلما جلسنا حول المائدة..و كلما صعدت إلى الغرفة يتبعني و يجلس فوق حجري..قالت ميرتيل وهي تجلس بجانبي على السرير:((إذن كيف كانت الرحلة؟؟)).
أجبتها:((جيدة)).
قالت:((فقط؟؟...لقد كانت خطوتك الرابعة..ألم تستفد منها شيئا..تجربة ما..)).
بدأت أفكر للحظة..لقد حصلت على صديق جديد إسمه بروك لي..إعترفت بإعجابي لمولي رغم كونها لاتعرف أنها الفتاة التي أحب..و إستمتعت بالأغنية التي أداها ديريك رفقة مولي..لكن إكتفيت أن أخبرت ميرلين:((لقد حصلت على صديق جديد)).
بدى السرور في صوت العجوز التي قالت:((حقا؟؟..ما إسمه؟؟..)).
قلت:((بروك لي)).
ضحكت العجوز عندما سمعت الإسم ثم قالت:((هل هو شخص طيب؟؟..)).
قلت:((نعم..لكن..)).
صمت للحظة قبل أن أتمم:((إنه..مريض بسرطان جلدي غريب..لايمكنه أن يلمس كمية كبيرة من المياه أو يسبح فيها و أشعة الشمس فوقه..)).
قالت العجوز وقد تحول صوتها إلى الحزن:((و كيف حاله؟؟)).
قلت:((جيد..لم أتعرف عليه كثيرا..لكنه قوي..أنا واثق من الأمر..)).
أضفت بعد أن وقفت من على السرير:((وهو يعيش بجانبي..إنهم جيراننا الجدد..)).
قلت و أنا أحاول وضع بابي على الأرض:((إذن ماهي الخطوة الخامسة؟؟)).
قالت وهي تقف بجواري:((الرياضة)).
كيف!!..رياضة!!..قلت بتوتر:((لكن..كيف سألعب الرياضة و أنا أعمى؟؟)).
قالت:((ماهي رياضتك المفضلة؟؟)).
قلت:((السباحة..لكن لن أستطيع بعد الأن)).
صمتت للحظة قبل أن تقول:((إذن سأختار لك لعبة ما)).
أحسست بالغضب و الضحك في الوقت نفسه:((لعبة!!..لقد صرت شابا بالغا)).
لكنها قالت:((لعبة الشطرنج)).
قلت و أنأ أحاول تمالك أعصابي:((شطرنج!!..لكنني أعمى..)).
قاطعتني:((سأحاول تعليمك..فقد فزت بجائزة و أنا في الأربعين من عمري)).ذهبت رفقة العجوز إلى مقهى المدينة،جلسنا في مائدة وطلبنا بعض المشروبات الغازية..حيث أحضرت ميرتيل لعبة الشطرنج معها..
قالت وهي تضعها أمامي و انا أسمع لصوت فرقعات تلك الأشياء داخلها:((إذن..الشطرنج..هل تعرفه؟؟)).
أجبتها:((فقط أعرف شكله..لم ألعبه أبدا..)).
تنهدت ثم قالت:((حسنا إذن...الشطرنج هي لعبة إستراتيجية يلعبها لاعبان على رقعة الشطرنج..وهي رقعة مطعمة و مربعة مكونة من 64 مربعا)).
أتممت بعض أن أعطتني شيئا ما:((أنت الأن تحمل قطعة الملك..حيث يوجد ملك واحد و ملكة واحدة، قلعتان،حصانان و ثمانية بيادق..حيث تختلف حركة كل قطعة من هذه القطع..)).
سألتها:((وكيف ألعب بها؟؟..)).
أجابت:(( أولا تعتبر الملكة أقوى القطع و البيادق أضعفها..و الهدف من اللعبة بأكملها هي إماتة الملك الخاص بالخصم..و يوجد لونان أسود و أبيض..حيث يبدأ الاعب صاحب القطعة البيضاء و بعدها يأتي دور صاحب اللون الأسود و في كل مرة يحرك الاعب لمرة واحدة بإستثناء التبييت حيث يتم تحريك قطعتين..و يتم تحريكها إلى مربعات شاغرة أو مشغولة بقطع من قطع الخصم و حينها يتم إزالة قطعة الخصم و وضع القطعة التي قامت بالإزالة...بإستثناء الأخذ بالتجاوز حيث يتم الأخذ و الأسر بتحريك القطعة إلى مربع الخصم و إزالتها و أخذ مكانها...حيث لا يمكن للاعب أن ينقل، تجعل ملكه يتعرض للهجوم و كش، كما لايمكنه تجاوز الدور التنفيذ القانونية..و إذا جاء دورك و لم تعد تملك أي حركة قانونية فحينها تنتهي اللعبة...أو إذا مات الملك..و إذا لم يتعرض حينها يكون تعادل...)).
قلت بعدها:((أظنها لعبة متعبة)).
قالت:((نعم..إذا لنبدأ و ستفهم أكثر..)).
و أخذنا نلعب لمدة ساعة..كانت صعبة جدا..فقد إستعملت العجوز رقعة أستطيع التمييز بين الرقع البيضاء و السوداء من خلال اللمس..كانت السوداء ذات حافة سميكة و البيضاء كانت حوافها عادية...لم أستطع الفوز..إستطاعات العجوز هزمي مرتين..لكن الأمر كان صعبا جدا..فقد كان يحتاج إلى إستراتيجية صعبة..فالعقل لايصير أعمى إلى بالجهل و الكسل..بعد مدة من اللعب قالت العجوز بفضول:((أريد التعرف على ذلك الولد بروك لي..)).
أجبتها:((مثلما قلت لك..لم أتعرف عليه جيدا..فغدا..سأذهب إلى منزله..)).
قالت العجوز و صوتها يدل على السرور:((جيد..أظنك ستحصل على صديق جيد)).
و هكذا جلسنا و أنا أحاول أن أسئلها حول نفسها..أريد التعرف عليها أكثر و أكثر...فهي شخص غامض بالنسبة لي...قلت بعد صراع في ذهني:((أما..أنت..أريد أن أعرفك جيدا..)).
ضحكت بصوت منخفض قبل أن تقول:((لقد أخبرتك سابقا أن الوقت لم يحن بعد)).
أتممت بعد أن سعلت بصوت مرتفع:((أسفة..ضربة برد..إذن مارأيك أن أخبرك حول بابي..)).
بابي!!!...قلت بدهشة ظاهرة على وجهي:((إنه جروك الصغير..أعلم سابقا..)).
قالت العجوز:((لكن لاتعلم ماضيه)).
قلت بتوتر:((لا)).
لتقول العجوز:((سابقا كنت املك كلبا..وهي أنثى و إسمها أولغا..وقد كانت صديقتي عندما كنت معلمة..كانت معي مايقارب العشرة السنوات..وهي والدة بابي..لكنها ماتت عندما أخرجت بابي إلى الحياة..أحسست بحزن عندما رحلت..فقد كنت أحبها جيدا..لذلك قمت بتربية بابي جيدا و تعليمه..ليقوم بمثل عمل أمه..وهو الإرشاد..لذلك أعطيته لك كهدية..فأنت تستطيع الإعتناء به)).
قلت و الحزن يتحرك في قلبي:((ولكن..تستطيعين أيضا الإعتناء بعد)).
قالت:((ليس الأن)).
أردت الحديث لكنها قامت بمقاطعتي:((هيا بنا..لقد انهيت الخطوة الخامسة...فقط حاول التدرب جيدا على اللعبة)).
وهكذا عدنا طوال الطريق وسط الرياح الباردة في صمت...فقط صوت مواء القطط و نباح الكلاب..و كذلك طنطنة الحشرات..وصلت للمنزل وكان الوقت قريب إلى الليل..فقد قضينا معظم اليوم في الخارج..تناولت العشاء ثم صعدت إلى الغرفة..أخذت أنام اليوم وبجاوري بابي..فقد كنت أريد ضمه و أن أعطيه إحساسا أكثر بالحب..فقد كان هو أيضا يعاني من ألم الفقدان...مثل ديريك...و الذي لم أكن أعلم به طوال الوقت...
أنت تقرأ
أعمى
Romansaكم هو صعب أن تكون شخصا عاديا يستمتع بحياته و شبابه..و في لحظة يختفي كل شيئ و تجد نفسك وسط ظلام كاحل..لترى بعدها حقيقة من تحب و حقيقة من كنت تكره..ومن سينتصر في النهاية..النور المليئ بالحب و الصداقة..أم الظلام المشبع بالكره و الخيانة..أو كليهما.. "أ...