النحس

83 11 6
                                    

لم يأتوا لزيارتي منذ مدة...لقد مرت ثلاثة أسابيع منذ خروجي من المستشفى...و لم أتلقى إتصالا أو حتى رسالة منهم...قلت و أنا أداعب خصلة من شعري:((مولي ألم تتحدث معك أمي في الهاتف؟؟)).
قالت بعد لحظة من الصمت:((لا...لماذا هل هناك خطب ما؟!!)).
أجبت و شعور غريب ينتابني:((فقط أن الأمر غريب بعض الشيئ...كانت لتأتي لرؤيتي هي و أبي...)).
قالت مولي:((أنت تعلم مايكي يمر في مرحلة الإمتحانات الأن...لعلهم منشغلين معه)).
قلت:((لكنه في السنة الثالثة من الجامعة))
رغم ذلك لم أقتنع...هناك خطب ما...أعلم ذلك...قلت بصوت أقل رزانة:((مولي...أنت لا تخفين أي شيئ عني)).
قالت بعد صمت:((مثل ماذا؟؟)).
قلت:((أي شيئ...خصوصا حول عائلتي)).
قالت وقد سمعت صوت خطواتها تبتعد:((عزيزي أنت تشعر بالتعب الأن...فل تنم قليلا)).
إنها تحاول إبعادي عن الحقيقة...قلت بصوت أقرب إلى الصراخ:((مولي!!!!!.....)).
أحسست بخوفها من مكاني...أسف حبيبتي لكن الأمر ليس بالهين...أتممت و كل كلمة أثقل من الأخرى:((أخبريني ماذا تخفين عني...أشعر بهذا....أنت إمرأة صالحة لا تستطيع إخفاء نفسها عندما تكذب...أشعر به من نبرات صوتك...قلي ما لديك الأن...أنا زوجك و أمرك بذلك)).
يجب أن أصبح صارما في بعض الأحيان... هيا أرجوك قلي كل شيئ...لم أسمع ولو صوت خصلة من شعرها تسقط فوق كتفيها...قلت و الغضب ينطفئ بداخلي:((أرجوك أخبريني لا أستطيع إنكار هذا...أعلم أنك تخفين شيئا عني...أخبريني...)).
ثم قالت بصوت لم أسمع مثله من قبل:((لوك...أنا أسفة...والدك....إنه....مريض جدا...)).
كل كلمة أشبه بطعنة داخل قلبي...أحسست بالغضب يتأجج بداخلي...و الدموع بدأت تسيل من عيني...ثم قلت بصوت كصوت الرصاص:((لماذا...لماذا لم تخبريني سابقا...لماذا؟؟...)).
قالت:((لقد قالت والدتك أن أجعل الأمر بيني و بينها فقط)).
صرخت غاضبا مرتعشا:((لكن لماذا!!!!....)).
قالت و صوتها بدأ يضعف:((أنا لم أكن قادرة على إخبارك...لقد طلبت مني أن لا أقول لك شيئ...)).
قلت و أنا أشعر بالدوار:((كل هذا الوقت...كم مضى على مرضه...ماذا حدث له...أخبريني)).
قالت وقد جلست بجانبي:((يوم فقدت الوعي و دخلت للمستشفى...لقد...)).
ثم أمسكت يدي و أتممت:((لم يتحمل ما حدث...ثم أصيب بجلطة قلبية...أنت تعلم أنه قد صار متعبا سنة مضت)).
قلت و أنا لم أصدق الأمر بعد:((لكنه...لكنه أخبرني أن الكبر هو السبب...لقد صار عجوزا بعض الشيئ...لقد..)).
قاطعتني مولي بلطف:((لقد كان مصابا بالقلب حينها...ولم يكن يريد إخبارك...)).
قلت:((وهل كنت تعلمين؟؟)).
قالت:((لا أخبرتني والدتك عندما دخل المستشفى...)).
أتممت وقد عصرت يدي:((لم أكن أريد إخفائه عنك...لكن...الأمر صعب علي أيضا...)).
أزحت يدي...لم أعد أستطيع التحمل...قلت لها:((كيف هو الأن؟؟)).
قالت بصوت متقطع:((إنه....إنه الأن في غرفة...في غرفة الإنعاش...)).
لم أشعر بنفسي وأنا أقف من مكاني...قلت و الكلمات تتساقط عليها كالسكاكين:((وكل هذا و لم تخبريني...كيف لك...كيف لك أن تفعلي بي هذا يامولي...كيف لك...)).
شعرت بشرارة الغضب و الحقد و الخوف تشتعل بداخلي...أخذت أتحرك كالأحمق في الجوار و أنا أبحث عن باب المنزل...قالت مولي و قد غلبها البكاء:((لوك...لوك تعال أرجوك...أنا أسفة...أنا أسفة...)).
لكنني إكتفيت أن صرخت:((إصمتي!!!...)).
سمعت صوت بكاء ميرتيل الصغير...لكنني لم أهتم...فقد وجدت الباب و قمت بفتحه مسرعا...أبي...أرجوك لا ترحل...أبي... لحظتها إرتفعت عن الأرض...و أحسست بنفسي أحلق للحظة...حتى سقطت بين أحضان الأرض الصلبة الباردة...

أعمىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن