ألسنة مشتعلة

84 7 8
                                    

أخذت أركض و أنفاسي تتقطع بها السبل في محاولة أخذ أنفاس عميقة...كان المكان مليئا بالكثير من الحشود...و الصحافة تغطي كل شبر و أشعة أضواء الكاميرات تجعل المكان كأنه صراع بين البرق و الرعد...حاولت أن أدخل نفسي بين الحشود و أنا أحاول التنفس بهدوء...كانت سيارات الشرطة و الإسعاف تظهر من أمامي...حينها رأيت المنظر الذي جعل قلبي يتوقف من مكانه...و المياه تتراشق في المكان بأكمله...حيث أخذت النيران تتراقص و هي تأكل كل شبر من المنزل المستسلم لشدة حرارتها...حاولت المرور لكن شرطي قام بوقفي...قال بصوت مرتفع:((لا يمكنك الدخول إلى هنا غير مسموح لأحد من غير الشرطة...)).
لم أستطيع الكلام حينها... لشدة الحرارة المنبعثة من المنزل...فقد جف حلقي بأكمله...و عيني السليمة تدمع من وخز الرماد المتناثر في الهواء...لكن الخوف الذي تحول إلى صراخ مرتفع:((لا...لا...أريد المرور...هذا...هذا....هذا منزلي....هذا منزلي الذي يحترق....منزلي.....)).

                         قبل ثلاثة أشهر

دخلت مولي إلى السرير برفقتي...قالت و التعب يظهر على ملامحها:((كيف حالك؟؟...)).
أجبتها:((بخير...فقط متعب)).
قالت وقد وضعت رأسها على كتفي:((من كان يظن أن شيئا مثل هذا يمكن أن يحدث!!..)).
قلت و قد قمت بضمها إلي:((أنا أيضا...أريد إخبار البقية لكن من الصعب أن يصدقوا الأمر... أنني أرى حياة شخص أخر...شخص قد رحل من هذا العالم...)).
قالت مولي:((يجب أن نسأل عن الأمر...شخص مختص)).
قلت:((لا أعلم...فقط أريد أن يكون الأمر سرا بيننا...)).
قالت:((أنت على حق...لا أستطيع تحمل حديث الناس و الصحافة...سوف نظهر مثل عجوزان قد أكلهم الزمن...)).
قلت بعد لحظة صمت:((هل يمكنني أن أخبرك بما كنت أفكر فيه..)).
قالت:((حسنا...)).
قلت:((أريد معرفة المزيد...حول ألكساندر....ماذا حدث له...أظنه يريد مني معرفة المزيد بدوره...لكن...)).
قالت مولي:((لكن ماذا؟؟...)).
قلت:((فكرت أنه يجب علي الذهاب إلى روسيا...إلى منزله)).
صمتت مولي للحظة معينة...ثم قالت:((لكن...كيف يمكن ذلك...أظن الأمر يحتاج بعض الموارد...)).
قلت:((لا تقلقي أملك المال الكافي...بعد غد سأحصل على الدفعة الأولى من التعويض على العملية التي أجريتها...)).
قالت:((لكن هل حقا تريد الذهاب؟؟...يجب أن يرافقك أحد؟؟..و ديريك...لا أظنه سيكون قادرا حقا على المساعده)).
قلت وقد تركت قبلة على جبينها:((أنت من سيرافقني...أمي سترعى الولدين...هل أنت موافقة؟؟...)).
قالت و هي تداعب خصلات شعرها:((حسنا...أنا موافقة)).
قلت و قد شعرت بنوع من الحماس:((أنا حقا أريد معرفة المزيد...و المزيد حولك ألكساندر...)).

جلست على أحد المقاعد المطلة على النهر...بينما تحط الحمامات لتناول الفشار...كان الجو جميلا جدا...كم أتمنى لو كان ألكساندر حيا ليشعر بهذا الشعور من جديد...ليقول صوت غير مألوف:((مرحبا)).
أجبته مبتسما:((مرحبا كارل تفضل بالجلوس)).
قال و قد جلس بجانبي:((حسنا...لماذا تريد رؤيتي في هذا المكان...لن أستطيع رؤيته على كل حال)).
قلت له:((أعلم ذلك...من أحضرك؟؟..)).
قال:((أختي لكنها جلست في مكان أخر بعيدا عنك...لا تريد رؤيتك)).
قلت:((حسنا إذن...ما زالت غاضبة مني...لا بأس إذن...لدي مفاجئة لك...)).
قال ببرود:((لا أحب ذلك)).
قلت بإبتسامة:((حسنا لا بأس...لقد وعدتك سابقا أننا سنذهب في رحلة...لكن لم نذهب...لذا حان الوقت أخيرا...هل سبق أن سافرت إلى دولة أخرى؟؟)).
أجاب بشك:((نعم....عندما كنت أتلقى العلاج في فرنسا)).
قلت:((إذن ما رأيك لو رافقتنا أنا و مولي إلى روسيا...)).
لم يجب للحظة من الزمن...ثم قال بعدها:((المكان بارد هناك جدا)).
قلت:((وهذا هو الجميل في الأمر)).
قال:((لكن لماذا روسيا؟؟...)).
قلت:((فقط أريد زيارة مكان لا طالما أردت رؤيته عندما كنت طفلا...و أنا أرى بعين واحدة على الأقل)).
قال:((أنا لن أرى أي شيئ سواء ذهبت أو لا...)).
شعرت بالذنب بسبب ما قلته...كم أنا غبي...قلت:((لكن هذا لن يمنعك من الإستمتاع باللعب بالثلج...)).
صمت و لم يجب...قلت له:((أظن أنك غير موافق...)).
قال:((حسنا...لكن الأمر ليس سهلا...)).
قلت وقد ساعدته على النهوض:((لا تقلق سوف أتحدث مع والدتك...يمكن لأختك أن تأتي الأن)).
ليرفع يده ملوحا في الهواء...ثم قال:((هل جائت؟؟...)).
قلت:((نعم...إذن سوف أذهب فأنا غير مرحب به...أيضا لا تقلق سوف تذهب معنا...إلى اللقاء إذن...)).
و أنا أتحرك مبتعدا....
قال بصوت مرتفع:((شكرا لك...على كل شيئ...)).
قلت:((تستحق أفضل من هذا كارل...و أنت تعلم ذلك...)).
ثم رحلت و أخته ترفض أن تنظر إلي...شعرت بنوع من الفخر...فقد نضج حقا...و هو أمر  رائع جدا...

                            بعد ثلاثة أشهر

لم أستطيع منع نفسي من الصراخ...فهذا منزلي وهو يحترق أمامي...لم أعد أفكر في أي شيئ...فقط ماذا يحدث هنا...أخذت هاتفي بعد أن جاء محقق و سمح لي بالمرور...لم أفهم أي من ما كان يقوله...أخذت رقم هاتف مولي...فقط أجيبي...أرجوك...ليتحدث البريد الصوتي:((معكم مولي...إترك رسالة...و التي لن أراه على أي حال)).
أحسست بالخوف و الهلع لعدم سماع صوتها و هي تجيبني...لكن صوت رجل الإطفاء الذي تحدث بصوت مرتفع جعل الأمر كله حقيقة...((لقد وجدنا شيئا في داخل المنزل...عددهم...إنهم... إثنين...شخصان...أحدهم في حالة حرجة...سيتم إخراجه حالا....و الأخر....ميت....)).

أعمىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن