أول نظرة

472 26 13
                                    

جلست فوق أريكة رطبة..أحسست بملمس جلدها الناعم..بسبب التوتر الذي جعل أصابعي تتمسك بأي شيئ..دقات قلبي تتسارع دون توقف..و الخوف يجري في عروقي في هذه اللحظة..سمعت صوت شخص ما يدخل إلى الغرفة التي وضعوني فيها..قال عندما وقف بجانبي:((مرحبا لوك..)).
لقد كان صوت الطبيب المسؤول عن العملية خاصتي..قبل أن أجيب سمعت صوت أخر يقول:((أهلا عزيزي)).
صوت جعل قلبي يرتجف و الدموع ساخنة في وجنتاي..فالضمادة التي أحاطوا بها النصف العلوي من وجهي لم تسمح لدموعي بأن تظهر لهم..قلت بصوت مرتعش:((أمي..)).
لتمسك بيدي المتعرقتين من شدة التوتر:((نحن هنا معك..لاتخف)).
قلت لها:((ماذا حدث لي)).
لكن الطبيب كان من أعطى الجواب:((لقد إنتهينا من إجراء العملية الجراحية..و قد مررنا في ظروف صعبة جدا و حرجة..فعينك كانت ترتجف لوحدها رغم تخذيرنا لك..لكننا إستطعنا إنهاء الأمر..و قد حان الوقت لمعرفة هل ثم كل شيئ بنجاح..أم لا..)).
إذن هكذا هو الأمر..حاولت أن أتمسك بنفسي..قلت قبل أن يزيل الضمادة:((أمي أريد أن يقف الجميع بجانبي..أبي..جدتي..مايكي..و أصدقائي..حتى لو لم ينجح الأمر..أريد الكل بجانبي..)).
أجابت أمي:((حسنا..)).
لم أستطع كبح تسارع أنفاسي..وضع الطبيب يده فوق كتفي ثم قال:((كل شيئ سيكون على مايرام..)).
سمعت خطوات الجميع وهم يدخلون إلى الغرفة..ماجعل توتري يصل إلى أقصى حدوده...بعدها أومأت لطبيب برأسي ليبدأ في العمل..فحلقي صار جافا و غير قادر على إخراج ولو كلمة واحدة..أحسست بيده حول رأسي..ثم ملمس أصابعه وهي تزيل العقدة المحيطة بالضمادة..ليبدأ ضغطها ينخفظ حول رأسي..لتزال الضمادة التي كانت أول شيئ أزيلت عن رأسي ذات مرة..و أخبرني الطبيب نفسه أنني أعمى..وهاهي الأن تزال مرة أخرى..في المكان نفسه..رفقة الطبيب نفسه..أخذت أحاول فتح عيناي..بدأتا ترتجفان..الأن..سأعرف الجواب بنفسي..و كان أول شيئ أحسست به عندما فتحت عيناي..هي الدمعة التي سقطت من شدة الخوف من الواقع الذي أراه الأن...

إبتسمت للحظة عابرة..منبهرا من النور الأبيض الذي أراه أمامي..ليبدأ في الإنقشاع تدريجيا..جلست متأملا المنظر الأول الذي سأراه..وجه مستدير ناصع البياض..عينان مليئان بالدموع..إبتسامة جميلة إشتقت إليها كثيرا..و بجانبها وجه مشع ذو عينان مفتوحتان إلى أخرهما في لهفة لسماع شيئ ما...صمتت للحظة من شدة الصدمة التي إنتابتني..ثم قلت بصوت مبحوح تعب و مشتاق إلى هذه الأوجه:((أمي..أبي..)).
لتطلق أمي أنة و قامت بعناقي باكية و ذراعاها تحكماني بقوة..و لأول مرة أرى الدموع تهزمان أبي..عانقتها بشدة أيضا و أنا أبكي..حملت عيناي متأملا الباقي..وجه متشابه الملامح و شعر بني كثيف..أخي الصغير مايكي..و بجانبه وجه إمرأة متجعد غلبه الشيب..لكن الحب و الحنان لم يغادرهم..كانت جدتي وهي تمسح دموعها بمنديل أبيض..نظرت إلى الجهة الأخرى..لأرى وجه وسيما خال من العيوب..و إبتسامة تحاول التغطية عن الدموع التي تريد الإنفجار خارجا..ديريك..قال عندما رأيته:((مرحبا صديقي..)).
كان الوجه الأكثر وضوحا..الأكثر جمالا و سطوعا..هو وجه مولي..إبتسامتها العسلية و عيناها الصغيرتين..لقد إشتقت إلى هذه الوجوه كثيراا..قلت و أمي تفارقني:((لقد إشتقت إليكم كثيرا...)).
مسحت دموعي و أخذت أنظر إلى أنحاء الغرفة التي أجلس فيها..كما كان الطبيب بجانبي..رجل ضخم البنية ذو لحية سوداء ثم حلقها بعناية..أجبته و أنا أمسك بيديه:((شكرا جزيلا لك..لن أنسى مساعدتك لي أبدا..)).
أجابني بإبتسامة:((لاتشكرني أنا..فهذا عملي..لكن الشكر لشخص الذي تكلف بالعملية..وهو أمامك الأن)).
عندما أدرت وجهي بقيت مندهشا غير مصدق لما أراه..هذا شيئ لايمكن..ماذا يحدث؟؟..إذن هذا هو زوج السيدة مونيكا..لم أصدق الأمر..شعر أشيب..ملابس بيضاء..لقد كان الرجل الذي أراه في حلمي سابقا..الشخص الذي يظهر لي يقف بجانب الباب الأبيض..باب الأمل..قال:((مرحبا لوك...إسمي "لوكاس" زوج السيدة مونيكا)).
أجبته:((نعم..أعلم ذلك..)).
قال:((لقد كنت شابا شجاعا في غرفة العمليات..و أظن أن ميرتيل ستفخر بك)).
أحسست بنوع من الحزن و الإشتياق عندما سمعت إسمها..أجبته:((نعم..ستكون فخورة جدا)).
إبتسمت و أنا أتخيل ردت فعلها..وقفت من على الأريكة ثم توجهت نحوه:((أشكرك سيد لوكاس..و بلغ شكري الجزيل للسيدة مونيكا أيضا..لن أنسى معروفك أبدا طالما حييت)).
أجابني وهو يصافحني:((تشرفت بمعرفتك لوك)).
ثم رحل بعدها..لتأتي مولي و تعانقني وهي ممسكة بيدي..همست لي في أذني:((إشتقت إليك كثيرا)).
أجبتها:((أنا أيضا)).
ثم أعلقت عيناي و أنا أتشمم رائحة عطرها الرائع..والذي لم يغادرني منذ أول مرة تمر بجانبي..و أخذت أنظر إلى النافذة و الشمس ساطعة في السماء الزرقاء..ليقول الطبيب:((لوك..لم تعد أعمى بعد الأن)).
أومأت له برأسي و الإبتسامة لاتفارق وجهي..

أعمىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن