عندما سمعت الخبر الصاعق...أخذت أتوجه إلى المستشفى حيث يوجد...لماذا فعل هذا؟؟...ماذا أغفلت عن رؤيته؟؟...دخلت راكضا و جدت أخته دالا جالستا في غرفة الإنتظار تبكي لوحدها...عندما رأتني جائت إلي راكضتا لترتمي بين أحضاني تبكي بحرقة و هي تقول:((لقد كان سيموت...كنت سأفقد أخي الصغير...)).
قلت و أنا أحاول تهدأتها:((حسنا فلتأخذي نفسا عميقا...كل شيئ سيكون بخير...فقط أخبريني ما حدث بالتفصيل...)).
قالت وهي تحاول تهدئة جسدها المرتعد:((كانت أمي في الخارج لتسوق و بقيت في البيت رفقة كارل...عندما نزلت للأسفل لمشاهدة التلفاز سمعت شيئا ما يسقط على الأرض...كأنه شخص ما...عندما ذهبت لغرفته وجدته ملقيا على الأرض و مادة بيضاء تخرج من فمه...عندما ناديت على الإسعاف أخبروني أنه قد تناول سما ما...و قد تأكد أنه دواء للفئران...أنا لا أعلم لماذا فعل هذا؟؟...هل بسببنا نحن؟؟..)).
ثم إرتمت من جديد بين ذرعاي و هي تبكي...أنا أيضا لا أعرف السبب الذي جعله يقدم على فعل شيئ كهذا...أن يفقد حياته...الجميع يعاني من الإفراط في مشاعر معينة...لكن ليس لدرجة أن تعرض نفسك للخطر...جلست رفقة دالا حتى خرجت والدته من الغرفة التي يرقد فيها...كانت تعبة جدا فقد مرت يومان على دخوله المستشفى...كنت أذهب كل يوم حيث أجد دالا تنتظر خارجا...عندما جائت السيدة ميلبورن قلت لها:((كيف حاله؟؟)).
قالت وهي تجلس بجانب إبنتها:((مثل الأول...لم يتغير منه أي شيئ...مازال مثلما تركته عندما رأيته...)).
قالت دالا و الحزن جعلها ترتعش خوفا:((هل سيكون بخير لوحده هناك؟؟...)).
أجابت السيدة و هي تمسك يد دالا بقوة:((لا أعلم عزيزتي.. لم أعد أستطيع التحمل...)).
لتطلق العنان لنفسها:((لقد تعبت...قمت بكل شيئ من أجله...لقد...لقد إشتقت إليه...إلا والدك...أريده أن يضمني بذراعيه في هذه اللحظة...و أشعر بدفئه...فقط لو كان هنا معنا...)).
لترتم دالا بين أحضانها مهدئة شوقها و حزنها و خوفها في الوقت نفسه...
و أنا جالس بجانبهم أخذت أفكر في ما سيحدث لاحقا...هل ذلك الإحساس الذي كنت أشعر به سابقا...دلالة على هذا...أم على شيئ أكبر بكثير...بقيت أفكر حتى أخذني النوم...وعندما إستيقظت كنت لا أزال أشعر به...ذلك الإحساس الغريب...في المساء قررت المبيت في المستشفى في حالة أراد أحدهم المساعدة...إعتذرت لمولي ثم أخذت لنفسي مقعدا مريحا و نمت عليه...عندما غفوت وجدت نفسي في غرفة غريبة...غرفة ذات طلاء أسود و رمادي..أدراجها مليئة بالكتب و الزينة...لكن...لقد رأيت هذه الغرفة من قبل...في مكان ما...في أخر الغرفة علقت سلة صغيرة ورقية...نعم إنها له...إنها غرفته...غرفة كارل...بجانب النافذة بدأ يظهر لي شخص وسط الظلام...جالس على الأرض مكور على نفسه...حاولت الإقتراب نحوه...و كلما صرت قريبا منه بدأت أسمع صوتا خفيفا يصدر منه...صوت كالبكاء...قلت:((مرحبا...من أنت؟؟..)).
ليبدأ صوت البكاء يرتفع...و جسده يرتعش مع كل شهقة...قلت و أنا أبسط يدي نحوه:((ماذا حدث لك؟؟)).
ليصرخ قائلا:((لا تلمسني)).
إنه صوته...صوت كارل...قلت متفاجئا:((كارل ما بك؟؟!!..)).
ليدير وجهه نحوي...لقد كان مشهدا مرعبا جدا...عيناه قد إختفتا من مكانهما...و دائرة سوداء تحيط بمكانهما الفارغ...كأنهما قد إحترقتا بمكواة ما...قلت و ضربات قلبي تتسارع:((يا إلهي ماذا حدث لك كارل؟؟!!!...)).
وقف من مكانه قائلا:((ماذا حدث لي؟؟..أنت السبب..)).
كيف؟؟...وجدت نفسي جالسا على سريره و العرق دافئ فوق جبيني...أحسست بالدوار و أنا أقول:((كيف أنا السبب؟؟..)).
قال:((منذ أن إلتقيتك و أنا أعاني لقد كنت أعيش حياة جميلة و هادئة...حتى أتيت إلى منزلي...و المصائب لم تتوقف...أنظر ماذا فعلت بعيناي...أنت السبب في هذا..)).
قلت و أنا أحاول إستعاب الأمر:((لكن...أنا لم أفهم...لقد كنت أعمى قبل أن ألتقي بك...)).
قال:((من أخبرك هذا أنت مخطئ...و بسببك أيضا رحلوا أيضا...)).
قلت:((من؟؟..)).
قال وهو يشير بإصبعه نحوي:((هم)).
عندما أدرت وجهي...يا إلهي لا أصدق هذا...بروك لي و ميرتيل يقفان ورائي بوجه حزين...قال كارل وهو يقترب نحوي بخطوات بطيئة:((أنت السبب في موتهم...منذ أن إلتقوا بك و هم في عذاب..)).
قلت و أنا أحاول إيقاف الأمر:((توقف لا تكمل...)).
((أنت السبب في هذا قتلتهم جميعا...)).
((توقف توقف توقف توقف....)).
((لماذا قتلتنا لماذا؟؟....)).
((أرجوك...توقف...أرجوك...)).
ليمسك عنقي بيده الباردة قائلا:((لماذاااااا....)).
صرخت و أنا أتصبب عرقا...وجدت نفسي في المستشفى من جديد في مكاني الذي أنام عليه...قالت الممرضة:((هل أنت بخير؟؟..)).
أجبتها و قلبي لا يتوقف عن الركض في مكانه:((نعم...أنا بخير...)).
أحسست بالعطش... ثم قمت من مكاني للأخذ لنفسي كأسا من الماء...في زوال اليوم التالي صار كارل قادرا على الكلام و تحسنت حالته بعض الشيئ...عندما قامت كل من أمه و أخته برؤيته...جاء دوري...كنت متوترا بعض الشيئ عندما توجهت لغرفته...علاقتي بالمستشفيات ليست بالجيدة...عندما رأيته نائما في مكانه...تذكرت ذلك الحلم الغريب...إرتعش جسمي جراء ذلك...أخذت أجلس فوق الكرسي بجانبه ثم أمسكت يده و قلت له:((مرحبا كارل كيف حالك؟؟..)).
أجاب بصوت منخفض:((لست بخير...فما زلت غاضبا من نفسي))).
قلت له:((هذا جيد...هذا يعني أنك نادم على مافعلته)).
قال وهو يزيل يده عني:((بل العكس...غاضب أنني مازلت على قيد الحياة)).
يا إلهي ماذا حدث لك كارل؟؟...قلت له:((لاتقل هكذا...لقد كانت أمك و أختك قلقتان عليك...و أنا أيضا و صديقك بدوره...)).
قال:(( صديقي؟؟؟...)).
قلت:((نعم...مورتين...)).
هل فقد نصفا من ذاكرته؟؟؟...
قال مبتسما:((أه...تقصده هو...أظنه لم يعد كذلك بعد الأن)).
قلت له بفضول:((لماذا...هل حدث شيئ بينكما؟؟)).
قال ببرود:((ليس من شأنك...)).
أجبته:(فقط أريد أن أعرف عن الأمر...فقد مررت أيضا في ما مررت به)).
قال بغضب:((أنت لم تعش ما أعيشه الأن...في النهاية قد عاد إليك نظرك...أما أنا فلن أرى أبدا...فقدت نظري...فقدت صديقي...و كل شيئ...)).
ليقول شخص غريب:((الصديق كالشمس...لكن لايغرب أبدا...)).
لقد كان صديقه مورتين...قال كارل بتوتر واضح على ملامحه:((هل...مورتين...هل هذا أنت؟؟...)).
أجاب مورتين:((نعم)).
لقد كان شابا في نفس عمر كارل...طويل القامة و ذو بشرة سمراء...قال و هو يضع باقة ورد على المائدة الزجاجية قرب المدخل:((لقد جئت لزيارتك عندما علمت بما حدث...أنا أسف إذا خيبت ظنك في...فلم أكن أعلم ما تمر به...).
بقي كارل صامتا في مكانه دون أن يعطي إجابة واحدة
أتمم صديقه كلامه:((لو كنت أخبرتني لما وصلت إلى هنا...في بعض الأحيان يحتاج المرء إلى التحدث مع أصدقائه...فهم منبع الحلول في بعض الأحيان...)).
أخذ كارل يتقلب إلى الجهة الأخرى من السرير...تاركا ظهره لصديقه...قلت و أنا أقف من مكاني:((سنذهب الأن كارل سندعك لتنام قليلا...أراك فيما بعد)).
ثم خرجت و مورتين برفقتي...قلت له و أنا أغلق باب الغرفة:((لا تقلق فهو مازال غاضبا عما فعله...و أظنه نادم على ما قاله عنك...فقط أعطه القليل من الوقت...حسنا)).
قال مورتين:((حسنا شكرا لك)).
ثم رحل بخطوات بطيئة...فمنذ الوهلة الأولى التي رأيته فيها...لوحت لي صورته أمامي...نعم...إنه هو...ديريك...
أنت تقرأ
أعمى
Romanceكم هو صعب أن تكون شخصا عاديا يستمتع بحياته و شبابه..و في لحظة يختفي كل شيئ و تجد نفسك وسط ظلام كاحل..لترى بعدها حقيقة من تحب و حقيقة من كنت تكره..ومن سينتصر في النهاية..النور المليئ بالحب و الصداقة..أم الظلام المشبع بالكره و الخيانة..أو كليهما.. "أ...