ألكسندر

92 8 5
                                    

لم أعد أشعر بأي شيئ...فقط صوت مولي وهي تنادي على إسمي...لوك...لوك لا تغلق عيناك...لوك...هذا فقط ما كنت أسمعه...ولكن من مكان بعيد جداً...حاولت أن أبقى مستيقظا...ألا أغلق عيناي أو أغفو...أريد سماع صوتها...حملقت بعيني اليسرى إلى أعلى...مازالت مغطاة بالدم...و مجموعة من الأضواء تمر من أمامي بيضاء اللون...للحظة إستطعت أن أرى وجه مولي...لماذا هي خائفة جدا؟؟؟...كما أنها تبكي...لكن الصورة إختفت من أمامي...لأجد نفسي نائما في مكان بارد على أرض صلبة...و الظلام يسوده...سمعت صوت بكاء طفل صغير...لكن أين؟؟...ليفتح الباب بقسوة على مصراعيه...ليسقط شخص ما على الأرض...قال رجل ضخم البنية من أمام مدخل الباب:((ماذا كنت تريد أن تفعله أيها الحقير!!...)).
كان الشاب يتألم من مكانه...عندما رأيته جيدا وجدته ألكسندر...لكنه كبير بعض الشيئ عن أخر مرة رأيته فيه...و قد كان الطفل الذي يبكي بجانبي أخاه الأصغر دينيس...لكن ماذا يحدث له؟؟؟...قال الرجل الغاضب مرة أخرى:((لقد أمرتك أن تتحدث...)).
ثم هوى عليه بصفعة على وجهه...أحسست بها حيث سقطت بدوري على الأرض...صرخ دينيس:((أرجوك توقف...)).
لكنه أخذ يتجه نحوه...زمجر بصوت غليظ:((ماذا قلت يا إبن العاهرة...)).
ثم بدأ يهوى عليه بالضربات و اللكمات...صرخت:((توقف!!!...)).
ليقفز ألكسندر حول عنقه...لكنه مازال ضعيفا مقارنة بهذا الرجل الضخم...أسقطه أرضا...ثم أمسكه من عنقه بشدة...ثم حمله من على الأرض...أحسست بأصابعه حول رقبتي...عندما ضغط عليه...أحسست بالإختناق...لم أعد أستطيع التنفس...لم أعد أستطيع التنفس...سمعت صدى صوت صراخ مولي وهي تقول:((إنه يختنق...أيها الطبيب إنه يختنق...)).
كانت قبضة الرجل على عنق ألكسندر أشد من السابق... بينما أصارع نفسي على الأرض كي أحاول التنفس...فقط فليفعل أحد شيئا ما...فليساعدنا شخص ما...أرجوكم...بدأت الصورة تتلاشى من أمامي...لم أعد قادرا على التنفس...جسدي توقف عن المقاومة...هل هكذا يكون الإحتضار؟؟...لكن للحظة عاد الهواء مسرعا يخترق صدري كلهيب مشتعل...عندها سمعت صراخ الرجل و قد إخترق موقد حديدي قدمه...لقد أنقذنا دينيس...لكنني لم ألاحظ ماذا حدث بعد...فقد عاد وعي إلى غرفة ما و الجميع يتكلم...كانت صورهم ضبابية أمامي...يرتدون الأزرق...و كمامات أيضا...وقف ألكسندر بجانبي ثم قال:((لقد إستطعت الهروب هذه المرة...لكن المرة القادمة لن أستطيع)).
أجبته بتعب و قد بدأت أشعر بالدوار:((أنا آسف...أسف حقا.. كان علي مساعدتك...أنا أسف...أنا...)).
ثم غفوت إلى النوم...و كان أخر شيئ سمعته...هو شخص من أولئك الغرباء يقول:((هل سمعته!!!...لقد كان يتحدث باللغة الروسية!!!...)).

جلست في وسط مكان خال من الحياة...كنت على طريق سريع لا وجود لسيارات تتحرك فيه...كان المكان أشبه بمدينة كبيرة خالية من البشر...ضباب أسود كثيف يغطي السماء...و الجو بارد جداً...وقفت من على الأرض و أنا أحرك رأسي يمينا ثم شمالا...لا وجود لأحد هنا...فقط خراب و سواد و خوف مدقع...كأن المدينة قد تعرضت لهجوم من طرف الزومبي...بدأت أتحرك و المكان مألوف بعض الشيء عن ذاكرتي...فقد رأيته سابقاً...في حلم ما على ما أظن...و أنا أحاول أن أجد مخرجا ما تحدث شخص من ورائي:((إذن هذا هو عالمك!!)).
عندما أدرت وجهي كان ألكسندر...قلت له:((ألكسندر!!!...ماذا تفعل هنا؟؟...)).
قال وهو يدور برأسه يستكشف المكان:((لدي الحق في رؤية عالمك...مثلما تفعل أنت عندما تزور عالمي)).
قلت و أنا أحاول فهم الأمر:((كيف؟؟...لكن لقد كبرت منذ أخر مرة رأيتك فيها...لقد كنت صغيرا...كم عمرك الأن...)).
أجاب:((عمري الوحيد هو واحد و عشرون سنة)).
لم أستطع فهم ما يجري بعد معي...قلت له:((لكن كيف لك أن تأتي إلى هنا؟؟...و هذا ليس عالمي الحقيقي!!..)).
قال:((أعلم ذلك...أنا أستطيع رؤية عالمك الداخلي فقط)).
قلت:((داخلي؟؟؟...لم أفهم ماذا تعني؟؟؟...)).
قال:(( إنه المكان حيث تجتمع مشاعرك... الغضب...الحزن...الفرح و السرور...)).
قلت و قد تذكرت هذا المكان...لقد رأيته في حلم سابق:((لقد رأيت هذا المكان في حلم منذ مدة مضت...كانت مدينة جميلة...و تعج بالحياة...لكن بعد ذلك جاء ضباب أسود و معه إعصار بدأ يدمر كل شيئ...)).
قال ألكسندر:((نعم إنه الدمار الذي كان يلحق بك...منذ أن صرت أعمى...)).
قلت:((لكن كيف لك أن تعلم بهذا؟؟..)).
قال:((مثلما تعلم أنت بما يحدث معي...لقد بدأ هذا المكان في الدمار مرة بعد مرة...عندما صرت أعمى...عندما فقدت صديقك المفضل...وفاة العجوز التي كانت تدربك... فقدانك للبصر مرة أخرى...رحيل والدك المفاجئ...غضبك من الجميع و من نفسك أيضا...لقد رأيت كل هذا في لحظة واحدة...لقد كنت تعيش حربا شرسة بداخلك...)).
قلت و قد شعرت بإحساس غريب ينتابني:((كيف علمت هذا دون أن أخبرك حتى؟؟..)).
قال و قد وضع يده فوق كتفي:((نحن الأن شخص واحد لوك...تستطيع رؤية عالمي و ماذا حدث هناك...مثلما أستطيع رؤية عالمك...الداخلي فقط...)).
قلت:((لكنني أرى عالمك واقعيا أكثر من هذا المكان!!؟؟)).
قال مبتسما:((لقد أخبرتك أنني أستطيع رؤية عالمك الداخلي فقط... بالنسبة للعالم الواقعي أستطيع الوجود فيه فقط عندما تكون قريبا من فقدان وعيك...فلم أعد جزءا منه بعد الأن...)).
إذن...هكذا هو الأمر...قلت له:((أنت...إذن أنت شخص ميت؟؟...)).
قال:((نعم...لقد رحلت عن هذا العالم السنة الماضية...و أنا جزء منك الأن...جزء من عينك اليسرى)).
عادت الأفكار تتدفق إلي من جديد...قلت:((إذن أنت الشخص الذي تبرع بعينه)).
قال:((أظن أن أمي من فعلت ذلك عندما وجدت جثتي)).
قلت بشك:((جثتك؟؟...لكن ماذا حدث لك؟؟..)).
أجاب مبتسما:((سوف تعرف في الوقت المناسب)).
ليتردد صوت من السماء:((لوك!!...)).
لقد كان صوت مولي...لكن من أين أتى بالظبط؟؟...قال ألكسندر وهو يشير بإصبعه إلى الشمال:((هناك)).
كان هناك قوس قزح يخترق السماء السوداء و يطلق معه أشعة الشمس من جوانبه...قال ألكسندر:((ذلك هو المكان المشرق في عالمك...إنهم الأشخاص الذين تحبهم و يحبونك....زوجتك...والدتك و أصدقائك...)).
قلت مسرعا:((أريد سؤالك عن شيئ أخر!!...في تلك المرة عندما كنت في نفس هذا المكان...ظهر شكل غريب كسهم أخبرني أنه أينما ذهبت سيكون معي...و قد قال أننا شخص واحد أيضا...هل كان ذلك الشكل...هو أنت؟؟...)).
قال:((لا...إنه خوفك)).
ليبدأ نور في الظهور...قلت بخوف:((ماذا يحدث؟؟؟...)).
قال ألكسندر وقد بدأ يتلاشى شكله من أمامي:((إنها زوجتك من تنادي عليك....إلى اللقاء لوك...حتى نلتقى مجدداً...)).
ليغطي النور المكان بأكمله...ليدوى صوت كالصفير في أذني...فتحت عيناي...و ظهرت صورة ضبابية أمامي...ليتضح شكلها بعد لحظة...كان وجه مولي البشوش وهو يبتسم بفرح لرؤيتي...قالت:((مرحبا)).
أجبتها:((مرحبا)).
قالت مبتسمتا:((كيف تشعر؟؟)).
قلت:((بخير...بل أكثر عندما رأيت وجهك الجميل)).
ضحكت ثم قامت بعناقي:((لقد شعرت بالخوف من فقدانك مجدداً...لا تفعل هذا مرة أخرى...أرجوك...فل تعدني أن لا تخيفني مجدداً...)).
لقد شعرت بخوفها علي...أسف على هذا مولي...قلت و قد وضعت قبلة على جبينها:((أعدك حبيبتي...أعدك)).

جلست مولي بجانبي على سرير المستشفى بينما تساعدني على تناول الغذاء...قلت و قد ذكرتني هذه الجلسة باليوم الأول برفقتها:((هل تذكرين عندما ذهبنا في أول موعد غرامي؟؟..)).
أجابت مبتسمة:((نعم و كيف لي أن أنسى أفضل موعد بيننا)).
قلت و أنا أتناول ملعقة من الحساء:((لقد شعرت بالخجل عندما طلبت منك أن تكوني حبيبتي...فقط وقع الكلمة جعلني أشعر بالعياء حينها)).
قالت و قد ظهر عليها الخجل:((أنا أيضا قد شعرت بالصدمة...لكن لو لم أوافق...لم أكن لأعيش مع الشخص الذي كنت أحبه منذ الثانوية)).
لقد كانت تلك الأيام جميلة رغم وجود لحظات مؤلمة بينها...قالت مولي بعد تردد:((أيمكنني سؤالك في شيئ ما؟؟)).
قلت:((نعم)).
وضعت صحن الحساء جانبا ثم أمسكت بيدي:((البارحة في المنزل...عندما كنت نائما قبل أن يحدث لك هذا الشيء الغريب...هل كنت تحلم بكابوس ما؟؟...)).
قلت:((لماذا؟؟...)).
قالت و قد ظهر القلق على وجهها:((لقد كنت تضحك في البداية...ظننت أنك ترى حلما جميلا...لكن بعد لحظة بدأت تتحدث مع نفسك...بلغة أجنبية..)).
قلت لها:((و ما هي هذه اللغة؟؟..)).
قالت:((في البداية لم أكن متأكدة ما هي...لكن عندما كنت صغيرة كنت أسافر كثيرا رفقة والدي...و قد سمعت تلك اللغة في مكان قد ذهبت إليه...روسيا...)).
قلت:((إذن هل كنت أتحدث باللغة الروسية؟؟..)).
قالت:((نعم...و قد حدث الأمر مجددا عندما كنت في غرفة العمليات...أخبرني الدكتور غاري أنك كنت تتحدث بها قبل أن تفقد وعيك...)).
إذن ما قاله ألكسندر صحيح...قلت لها:((حسنا عزيزتي...سوف أخبرك بأمر مهم...لكن أريده أن يكون سرا بيننا)).
قالت:((حسنا...سرك معي)).
أخذت نفسا عميقا...ثم بدأت أروي لها كل ما حدث...و كل شيئ حول ألكسندر أيضا...عندما إنتهيت من الحديث...قالت:((حسنا...الأمر غريب بعض الشيء... لكن كيف يمكن لك أن تشعر بما يشعر به في داخل حلمك...حتى تحدثك باللغة الروسية أكثر غرابة!!!)).
قلت:((أعلم ذلك...الأمر غريب عني أيضا...لكنني مستعد لمعرفة المزيد حوله...لذا...هل يمكنك مساعدتي؟؟...)).
صمتت مولي للحظة...ثم قالت:((كيف يمكنك سؤالي عن هذا!!!....لوك أنا معك دائماً في السراء و الضراء...هذا هو وعدي لك منذ زواجنا...)).
قلت و قد شعرت بالسرور:((مولي...أنا حقا مسرور لوجودك في حياتي...أنت النور وسط هذا الظلام الذي يحيط بي...)).
قالت و قد قامت بعناقي:((و سأبقى دائماً نورك الوحيد)).

أعمىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن