المعرفة

80 7 2
                                    

مازالت كلمات ميلاني ترافق عقلي أينما إرتحل...لكن في هذه الأثناء كان الضباب يغطي كل المكان الذي أقف فيه...ومع كل زفرة يخرج الدخان ضبابيا من فمي...لم يكن الجو باردا رغم ذلك...بل كان غريبا و مفعما بالغرابة...وقفت مكاني أحرك رأسي يمينا و شمالا...لكن لاشيئ يظهر في هذا المكان الغريب...لذلك قررت التحرك...أخذت خطواتي تلتهم من قبل الضباب المحيط بي مع كل خطوة...لكن بعد لحظات بدأ الضباب يختفي من أمامي...ليظهر المشهد أخيرا...مفترق الطرق المشؤوم... المكان الذي بدأ فيه كل شيئ...حيث تغيرت حياتي بأكملها...وقفت و أنا أتذكر ذلك اليوم بكل لحظاته...و الغريب كأن الأمر تجسد إلى الواقع...فقد ظهرت سيارة من العدم و هي تمر بجانبي محلقة في السماء و هي تدور و الزجاج يتناثر في كل مكان...و في الداخل كنت أصرخ و رأسي يدور و الخوف قد إلتهم جسدي لحظتها...لترتطم السيارة بالشجرة القابعة بجانب الطريق...بدأ القليل من الدخان يخرج من السيارة...وقفت و أنا أنتظر من نفسي أن تخرج  قبل أن تنفجر...لكن رجال الإطفاء ظهرو من وسط الضباب و قد قاموا بإخراجي...بعدها ظهر باب من ورائي...قبل أن أتوجه نحوه لاحظت ديريك وهو يقف بجانب السيارة المحطمة و نظراته موجهة نحوي...كأنه يخبرني أنه يعرف الحقيقة التي أخفيتها...لكن الضوء المنبعث من الباب من ورائي جعلني أنسى أمره...فقد وقفت ميرتيل و بجانبها بروك لي و طفلة صغيرة...بعد أن أمعنت النظر جيدا وجدتها يومي وهي تبتسم...إشتقت إليهم كثيراً...أخذت أتحرك نحوهم و أنا متشوق لعناقهم...لكن فجوة ظهرت بيني و بين الباب لأسقط داخلها و أنا أصرخ...إرتطمت بالأرض لكن لم يحدث لي أي شيئ...فقد كان الأرض مبللا...رفعت يدي فوجدت عليها أثار دماء...عندها و جدت الأرض مغطاة بالدم الأحمر...و هناك شخص يتحرك نحوي و هو يضحك بصوت مرتفع...ظهر السكين الذي يحمله بين يديه...ليظهر الشخص كاملا...قلت بصوت مبحوح:((لونارد!!)).
ثم صرخ و ركض نحوي...بعدها طعن السكين بطني و صرخت بصوت مرتفع لأجد نفسي أتصبب عرقا و مولي تحاول تهدئتي...فقد كان مجرد حلم...بل مجرد كابوس مخيف...ثم عدت بعدها إلى النوم من جديد...

جلست في غرفة الجلوس و أنا أتذكر تفاصيل الحلم الذي رأيته...أحسست بالتعب...كأنني لم أكن نائما...بعدها وضعت مولي فنجان قهوة أمامي...فقد أفعمت رائحتها الزكية أنفي...ثم جلست بجانبي و أمسكت بيدي...أحسست بدفئهما و هي تضغط عليهما...قالت و قد ألقت برأسها فوق كتفي:((اليوم سوف يأتي كارل لرؤيتك...هل أنت مستعد لهذا حقا؟؟)).
أجبتها:((نعم...يجب علي ذلك)).
قالت:((أتمنى أن يساعد كل منكم الأخر)).
قلت:((سأحاول)).
بعد لحظة جاء كارل رفقة والدته...تركته في المنزل بعد أن أخبرتها أننا سنبدأ في المنزل اليوم...بعد رحيلها ذهبت رفقة كارل إلى غرفة الجلوس و بقينا لوحدنا هناك...نحن الإثنين فقط...بعدها تحدث كارل:((لماذا يجب علينا البقاء في المنزل؟؟)).
أجبته:((سأحاول الإعتماد على نهج جديد من التعليم)).
قال:((حسنا...و ما هو؟؟...)).
قلت:((المعرفة...أي أن يعرف كل منا الأخر)).
قال:((لكني أعرفك و أنت تعرفني!!!)).
قلت:((لكنني مهتم بالعكس)).
قال:((لم أفهم قولك)).
قلت:((أي يجب أن تخبرني ماهي الأشياء التي تكره أن تلاحظها أو تراني أفعلها و أنا سأخبرك بخاصتك)).
قال:((حسنا...لكن ما دور هذا الإختبار؟؟....)).
قلت:((إنه ليس بإختبار و إنما معرفة بعضنا البعض أكثر من السابق...كي نستطيع التقدم أكثر)).
قال:((حسنا...أنا موافق)).
قلت مبتسما:((إذن أنا سأبدأ...حسنا...الشيئ الذي أكرهه فيك...هو كونك لا تترك الأخرين أن يساعدوك و تريد أن تقوم بكل شيئ لوحدك...وهذا شيئ سيئ لا يمكن أن يجعلك تتقدم في حياتك الجديدة هذه...)).
لم يجب للحظة...بعدها قال:((نعم...أنت على حق...دوري أنا...)).
قلت و أنا متحمس لسماع ما سيقوله:((أنا أسمع)).
قال:((حسنا... أولاً لماذا تجعل الجميع يشفقون عليك؟؟...فقد مررت من الكثير على ما أظن...فقدت من تحب...فقدت رغبتك في الحياة لكن رغم ذلك واجهت الصعاب و إستطعت النجاح...لقد كنت قدوتي...لكن بعد ما حدث لم أعد أشعر بهذا الإحساس...أن يكون بطلي بجانبي فقط...كلما أراه هو شخص مهزوم...أشفق عليه كل ما رأيته....و ثانياً...الأسوء...دائما ما تجعل نفسك السبب في كل ما يحدث حولك... كأنك من جعل كل هذه الأشياء تحدث...فهذا لن يجعلك شخصا يريد العميان أن يكون عليه...فأنت قدوتنا...بسببك إستطعت أن أستمر و أنا أحلم بغد أفضل...رغم ما سيحدث...)).
يا إلهي...لقد جعلني أحزن على نفسي...قلت:((أظن أن الأمر ليس مثلما قلت...فأنا...)).
قاطع كلامي قائلا:((ما أخبرك به...هو مايراه الجميع...)).
رغم ذلك أظنه على حق...قلت و قد أخذت نفسا عميقا:((جيد أظننا أحرزنا تقدما)).
قال:((نعم...ماذا سنفعل الأن؟؟)).
قلت:((سنتوقف الأن...المرة المقبلة سنبدأ أول رحلة لنا أنا و أنت)).
قال:((إلى أين؟؟)).
قلت:((لم أفكر بعد...لكنه مكان سيعجبك الذهاب إليه)).
وهكذا أحضرت لنا مولي بعض المحليات ثم جائت السيدة ميلبورن و أخذت كارل و عاد إلى منزله بعد وقت مثير قضيته برفقته..

لقد كان الأمر أشبه بالحلم...كل شيئ معقد و مخيف جدا...منذ تلك اللحظة... عندما ضغطت على الفرامل بأقصى قوة...عندما صرخت و أنا أناشد النجدة...عندما إرتفعت السيارة وهي تدور في الهواء...أو عندما إنحرفت عن الطريق و إصطدمت بشجرة ما...لا أعلم حقا...أو عندما سكبت القهوة على رجلي...أو عندما أقدمت على ذلك الفعل الغبي...لقد نسيت حقا...لم أعد أعرف الحقيقة...لكن أصوات الأمل تترنم داخل أناملي...مثل أوتار تعزف على مستوى هادئ و مريح...تذكرت أمي التي لم أراه منذ أن مات والدي...لقد جعلتها تحزن أكثر مما هي حزينة...جعلتها تندم على مافعلته بي...لكن لماذا لم أسأل عن السبب؟؟؟...هل هذا لأنني خائف؟؟...لأنني ضعيف؟؟؟...أخذت أفكر و أنا أضع رأسي بين أحضان دافئة...تداعب شعري بكل لطف...قلت و قد أحسست بالنوم:((هل أذهب حقا لرؤيتها؟؟...)).
قالت مولي:((نعم...هي من طلبت ذلك...فقط إذهب و تحدث معها...)).
قلت:((و لكن ماهو السبب؟؟؟...)).
قالت و قد طبعت قبلة دافئة على جبيني:((لأنها والدتك وقد إشتاقت إليك)).
نعم...و أنا أيضا...ثم غفوت في النوم و أنا أشعر براحة لم أنعم بها منذ زمن طويل....

أعمىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن