أخذت الرياح تحرك خصلات شعري كأنها خيوط معلقة على جانبي منزل فوق تل عالي، و الهواء كان باردا منعشا بشكل جميل، دافئ و هادئ، أشعة الشمس تنتشر على طول المروج الخضراء، تظهر كأنها بحر من الأخضر و الأصفر، تتراقص على ألحان الرياح القادمة من الغرب، و تجعل الروح تقفز من مكانها كأنها ورقة قد سقطت من على شجرة عجوز.
لقد رأيت هذا المكان سابقا، فوق تل مرتفع، يقبع منزل خشبي متواضع على جانبي الهضبة المحدبة على ظهر التل، يطل على منحدر عشبي تدفع الرياح أوراق الشجر نحو نهر أزرق اللون، تتلئلئ فيه أشعة الشمس كأنها حشرات مضيئة، مكان ليس بالغريب أبدا، و قد تأكدت شكوكي عندما سمعت أصوات الضحك و القهقهة، كان طفل صغير يركض بمرح في المروج الخضراء التي تناهزه طولا، يركض و خصلات شعره تتراقص من على رأسه مع كل خطوة يضعها، و العرق يجعل جبينه يتلئلئ بسبب أشعة الشمس، كانت إبتسامته واسعة و خديه محمرتين بسبب الركض، و من ورائه رجل يحمل سلاح يطلق الماء من أمامه، و هو يتبعه كأنه يحاول الإمساك بفريسة ثمينة، لقد كانت إبتسامته تسمع أيضا، إبتسمت للحظة، منظر جميل، يذكرني بنفسي، أنا و والدي، حب لا يتطلب ثمنا، حب نابع من أعماق القلب.
للحظة وجدت نفسي داخل غرفة صغيرة تملئها رائحة العطور الجذابة، و على سرير خشبي تجلس إمرأة جميلة تملس على بطنها المنتفخ، و شعرها ينسدل على جانبيها، مسترسل و رطب، أخذت تغني أغنية صغيرة، بصوت راق تملئها الحنة و الحب، أخذت تقول:((عزيزي صغيري، شمسي و قمري، ليلي و نهاري، حبي و حياتي، أنا أنتظرك، بين ذراعاي ستبكي، و بين ذرعاي ستنمو، يا عزيزي الصغير...)).
لم أستطع سماع البقية، فقد غطى المكان ظلام أسود للحظة و في الأخرى وجدت نفسي في الغرفة نفسها و صوت صراخ رضيع صغير يرنو في أذني.لحظتها لم أرى غير الستائر الحمراء المنسدلة بجانبي السرير، و أشعة الشمس تعطيه لونا قاني كالدم الدافئ، و الأرض الخشبية باردة بين أصابع قدماي الحافيتان، غرفة مظلمة تفوح منه رائحة الخزامى و الياسمين المخمرة، و تطفوا في الهواء قليل من رائحة الدم...و صوت الرضيع، لتنقشع صورتها فجأة، المرأة نفسها مستلقية على السرير، و الوسائد القطن بين ظهرها، تحمل بين ذراعيها رضيعا ملحفا بخرقة بيضاء لامعة، خصلات شعرها ملتسقة على جبينها، و العرق خيط من الماء اللزج، لكن البسمة لا تفارق محياها وهي تحمل الرضيع الباكي، و بجانبها يفق الرجل رفقة الطفل، نفسه الذي كان يركض في المروج برفقته، ينظر إلى الرضيع بعيون براقة، نطقت الأم بكلام ما، ما جعل الطفل يتقدم نحوها بخطوة واحدة بطيئة، لينظر إلى الرضيع لحظة، إبتسم...ثم وجه نظره إلى المرأة، إبتسمت بدورها، ثم أخذ يداعبه بإصبعه، ثم دنى نحوه...وهمس...سمعت الكلمات داخل أذني...بصوت ناعم رقيق كأوراق الشجر في الخريف، همس:((سأحبك و سأحميك دائما)).
ثم وضع على جبينه الرطب قبلة دافئة، جعلت الرضيع يصمت.
أنت تقرأ
أعمى
Romanceكم هو صعب أن تكون شخصا عاديا يستمتع بحياته و شبابه..و في لحظة يختفي كل شيئ و تجد نفسك وسط ظلام كاحل..لترى بعدها حقيقة من تحب و حقيقة من كنت تكره..ومن سينتصر في النهاية..النور المليئ بالحب و الصداقة..أم الظلام المشبع بالكره و الخيانة..أو كليهما.. "أ...