لحظات من الماضي: الجزء الأول

50 4 0
                                    

((أه كم أحب هذا الشعور البارد المدفون بين قدماي)).
قلتها و أنا أضع قدماي داخل كومة باردة من الثلج، فقد حل فصل الشتاء هذه السنة باكرا.
قال:((نعم لكن أمي تخبرني أن هذه الثلوج نذير شؤم و سوء)).
قلت و أنا أبتسم بلطف:((يالك من أحمق لونارد، هل حقا تصدق هذه الأشياء)).
أجاب و الحمرة تعلو وجنتيه:((نعم!! إن أمي دائما ما تقول الحقيقة....فأنا أكره هذه الثلوج الباردة...كلما تسقط تتساقط معه أرواح الناس...في كل يوم حوادث سير...)).
أجبته:((أنت شخص طيب حقا لونارد)).

حينها كان عمري يتراوح بين الرابعة و الخامسة، كنت أحب فصل الشتاء، خاصتا عندما تتساقط الثلوج، لحظتها يمكنني اللهو و اللعب مع الأطفال، لونارد لم يكن يحب الخروج في تلك الأوقات، حيث كانت أمي دائما ما تساعدني في بناء رجل ثلج، سميته "جوناثان إسم أحد الشخصيات الكرتونية المفضلة لدي، و في أحد تلك الليالي الباردة سمعت صوت خشخشة في الخارج، و قد كانت تتبعه أصوات صراخ و عواء، حملت نفسي من على الأريكة تم توجهت للخارج، عندما فتحت الباب وجدت قطة تصارع كلبا فوق الثلوج البيضاء، و قد كانت نقط حمراء تزينها، لقد تعرضت للعض، أخذ الكلب يزمجر عندما وقفت أمامه، أحسست بالخوف لحظتها، لكن القطة الضعيفة أمامي جعلت الشجاعة هو سلاحي في تلك اللحظة، أخذت أنظر إلى عينيه السوداوين، بينما يظهر أنيابه الحادة في وجهي، لم أكن أعلم ماذا أفعل لحظتها، هل أحمل القطة بسرعة و أعود إلى المنزل،أخذت القطة تدور حول نفسها بكل ضعف و وهن، بينما أعاد الكلب عينيه على القطة المسكينة، لحظتها لم أشعر بمثل هذه الشجاعة في حياتي أبدا، أخذت مضرب أبي الموضوع بجانب الباب، وجهت ضربة على رأسه، بينما أخذ يتأوه حملت القطة بسرعة، ثم أغلقت الباب بشدة، لم أتوقف عن الركض حتى وصلت إلى غرفتي في الأعلى، سقطت على الأرض و القطة بين ذراعي، و بدأت أحاول إلتقاط أنفاسي و أنا أعاين الجرح العميق الموجود على القطة.

بينما أخذت تكافح الألم، قمت أفكر و أبحث عن حل لما يحدث، أمي خارج البيت، ماذا أفعل، لا يمكنني أخذه للبيطري لوحدي، فما زلت صغيرا، ماذا سأفعل، و أنا متأكد أن الكلب مازال في الخارج، لكن لو تأخرت سوف تموت القطة، ماذا سأفعل لها؟؟...بعد لحظات من التفكير تذكرتها أخيرا، إنها القطة التي دائما ما تنام قرب بيتنا، لقد تذكرت يومها عندما أخذت أطعمها أنا و لونارد، لكن ملامحها صارت مشوهة، و فروها الأشعث كستنائي اللون تحول إلى الأحمر القاني، و موائها، دائما ما كان عذبا خفيضا، لكنها الأن أخذت تحارب الألم بصمت بينما تحمل نفسها على التنفس جيدا، يا إلهي فقط ماذا سأفعل، يجب أن أنقذها.

لكن الخوف تغلب علي، أخذت يداي ترتعش من مرأى الدم، كان دافئا، لزجا خترا، لم يكن شيئ قد رأيته أبدا، أخذت تقاوم أكثر بينما نزلت دمعة صغيرة من على عينيها، إنها خائفة، أخذت عيناي تذرف الدموع أيضا، ماذا أفعل، أرجوك ماذا أفعل؟؟!!...

لم أقوى على شيئ، فقط تجمدت في مكاني و رأيتها تحارب، بعد لحظات من الألم و التنفس المتقطع، توقفت عن الحركة، و عينيها تنظران إلي، لا أرى منهما شيئا غير الحقد و الكره، كأنها تقول:((لقد تركتني أموت أيها الجبان)).
لو كان لونارد ماذا كان سيفعل؟؟...عندما جائت أمي شعرت بالرعب لما رأته، و ما زاد الأمر سوءا هي الدماء في يدي، لم أشعر بنفسي و أنا أندفع نحوها أبكي بحرقة، أقول بعواء مرتفع كعواء القطة وهي تحتضر:((لقد تركتها تموت...لم أعرف ماذا أفعل، لقد شعرت بالخوف، أنا...أنا ولد سيىء)).
قالت وهي تعانقني بقوة:((لا أنت ولد مطيع و جميل، أنت بطلي)).
حقا؟؟...هل أنا بطل؟؟..لكن تلك الكلمات جعلتني أهدأ.

ليلتها عندما جلست في غرفتي شعرت بفجوة عميقة في قلبي، لقد أحسست كأنها قد كانت معي منذ أن كانت قطة صغيرة، لقد كننت لها حبا رغم قدومها القليل إلى خارج المنزل، لكن من كان يظن أن هذا القلب اللين و المحب، سيفقد العديد من الأشياء الغالية إليه...من يظن هذا أيها البطل...

في وقت متأخر من الليل سمعت والدي يخبر أمي عما حدث اليوم في المدينة، عن حادثة سير بين تقاطع شارع " الأميرات"، سيارة شخص ما قد إنزلقت بسبب الثلوج ماجعلها ترتطم بشجرة ضخمة، ليفقد الشخص حياته، شعرت بالسوء لما حدث، لأتذكر كلمات لونارد لحظتها، عندما تتساقط الثلوج تتساقط الأرواح، و قد فقدت واحدا اليوم بين ذراعاي، مخلوق ضعيف هش، إذن هل والدة لونارد كانت على حق ؟؟... لكن الكلمة التي جعلت أنفاسي تتوقف، هي عندما قال والدي أن الشخص كان رجلا، وهو الذي يتحدث بصوت جوناثان في الرسوم المتحركة، المفضلة لدي، و بهذا أكون قد فقدت شخصا أخر، طعنة أخرى من بين العديد من الطعنات المستقبلية،...من يظن هذا سيحدث أيها الجبان...

أعمىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن