الخطوة السابعة:الهدية

437 26 4
                                    

لم تستطع عينايا أن تغلقا بسبب ماحدث..أمضيت الليل بأكمله و أنا أعيد كلامات ديريك في رأسي..لم أصدق أنه خدعني!!..كيف تجرأ بالتلاعب بي!!..لكن أنا المخطئ..لقد كنت أحمقا..لطالما كنت..صدقته في لحظة واحدة..و تعلقت به..أحببته أكثر من لونارد..لكنهم سيان..نفس العملة..لم أعلم كم الساعة الأن..فقد غرق بابي في النوم..حيث كان صوت غطيطه الخفيف يملئ الغرفة..و كذلك أصوات الحشرات الطنانة في الخارج..و أنا وسط أحلام اليقظة..سمعت صوت غير مألوف يتحدث من بعيد..كان صوتا أعرفه..لكن لا أسمع مايقوله جيدا..حاولت التركيز جيدا..لكن لا أستطيع..فأفكاري مشوشة و عقلي صار ثقيلا جدا..لكن في نهاية الأمر علمت صوت المتحدث..كانت أمي..لكن مع من كانت تتواصل في هذا الوقت المتأخر..لكن النوم أخذني في لحظة ولم أسمع ماقالته..

مكان جميل جدا..منعش و لطيف..رياح خفيفة..و نسيم عليل..أصوات العصافير التي تغني في جو من الحب و الصداقة..و الأشجار الخضراء تتخذها منبرا للغناء..كان العشب أسفل قدمي رطبا جدا..و يتراقص بفعل الرياح الباردة..كانت الشمس مشرقة و غير حارة..و السماء زرقاء جدا كمياه البحر..أحسست بالهدوء و الراحة..وقفت منبهرا و أنا أشاهد جمال المكان الذي أقف فيه..تحيط الأزهار بكل مكان..و الفراشات ترقص حوله..رائع جدا..فجأة سمعت صوت طائرين..رفعت عيني إلى السماء..كانا جميلان جدا..واحد منهما أصفر اللون و ذو ريش كثيف..يطير محلقا و فرحا في السماء الصافية..و الأخر كان بني اللون و ضخم البنية..و أحسست أنه حكيم بعض الشيئ..فقد كان يطير بتوازن حول حلقات غير منتهية..أحسست بالفرح لرؤيتهم..كأنني أعرفهم..لكن للحظة ظهر سهم أسود من العدم..و إنغرس في الطائر الأصفر ليسقط أرضا..أحسست بإعتصار مؤلم في قلبي..رفعت مسرعا عيني لطائر الأخر..لينغرس السهم الأسود فيه أيضا..وسقط أرضا..ليعتصر الألم قلبي من جديد..أسرعت نحوهما..أريد إنقاذهما..لكنني وجدت مكانهما بركة من الماء..مياه سوداء..سقطت على ركبتي..و بدأت أرى إنعكاس صورتي في المياه السوداء..كنت حزينا جدا..و متألما أيضا..أخذت أقرب يدي للماء للمسه..أريد أن أجد الطائرين..وضعت يدي..لأسقط داخله..أحسست نفسي داخل دوامة مظلمة و لمكان للهواء داخله..أحس نفسي سأختنق..بدأت أسقط و أسقط دون توقف..حاولت المقاومة..لكن لم أستطع النجاة..أردت الإستسلام..أغلقت عيناي..و تركت جسدي يسقط وسط الظلام..فجأة صرخ رجل في وجهي:((لاتستسلم)).
كان الرجل العجوز من جديد..لكنه إبتسم لي هذه المرة..وقال:((ليس بعد)).
ليظهر نور وسط الظلام..حاولت الإقتراب إليه..أحسست بنوع من الأمل يعود إلي..لكن قبل أن أصل فتحت عيناي و إستيقظت..لقد كان حلما..مجرد حلم غريب..

توجهت إلى الأسفل بتثاقل..لم أشعر بالجوع لتناول الإفطار..فقط أريد القيئ كل مرة أتذكر فيه ديريك..لم أخبر أمي بعد..فلا أريد أن أقلقها..فقد كان صوتها متعبا عندما قالت:((صباح الخير عزيزي)).
أجبتها:((صباح الخير)).
ثم جلست في مكاني المعتاد..لكن دون تناول أي شيئ..فقط أخذت ألعب بالملعقة فوق الصحن..قلت لأمي بشك:((أمي...هل كنت تتحدثين البارحة في الهاتف..وسط الليل؟؟)).
صمتت للحظة ثم قالت:((لا..لا لم أكن)).
قلت:((حسنا..ها أظنها مجرد هلوسة..)).
و أظنها كذلك فقد كنت كالسكران البارحة..أخذت أحرك الصحن و أنا شارد الذهن..أفكر في الحلم الغريب..و خاصتا الطائران..من هما؟؟..ماذا يعنيان؟؟..وكذلك كلام الرجل العجوز..و النور وسط الظلام..كل هذه الأفكار تلاشت من جديد عندما سمعت صوت الهاتف يرن..أسرعت أمي لتحمله..قالت بسرعة:((نعم!!!..)).
يالها من ردة فعل غريبة..أتممت:((أه..أسفة عزيزي..ظننتك شخصا أخر..)).
إنه أبي..لكن ماذا يريد في هذا الوقت..إنه وسط عمله..سمعت أمي تقول في الهاتف:((نعم..حقا!!..حسنا..سنذهب..إلى اللقاء..)).
ثم وضعته و توجهت نحوي..جلست ثم قالت:((لدي خبر لك)).
أحسست بالخوف..و دقات قلبي تتسارع و التوتر يتملكني..قلت بصوت مرتعش:((ماذا حدث؟؟..هل مات شخص نعرفه؟؟..)).
قالت أمي:((لا لا!!..ياإلهي..)).
تنهدت ثم قالت:((إن ميرتيل في المستشفى صباح اليوم..)).
قاطعتها:((ماذا حدث لها؟؟!!...)).
قالت:((فقط مجرد نزلة برد،لقد طال فيها الزكام وذهبت للمستشفى عندما أحست بالتعب..لاشيئ يذكر..فقد أخبرني والدك أن أختها قد إتصلت به..أظنها في المستشفى..)).
وقفت من مكاني مسرعا:((هيا إذن لنزورها هناك..)).
قالت وهي تقف بدورها:((حسنا..سأذهب لتغيير ملابسي)).
ثم صعدت الدرج لغرفتها..أحسست للحظة أنني سأفقد الوعي..لقد كنت خائفا أن تكون قد رحلت..لكنها بخير..مجرد زكام و سيذهب..نعم..لاداعي للخوف..

أوصلتنا سيارة الأجرة إلى مستشفى "الأخوات"..وهو المكان الذي كنت فيه سابقا عندما تعرضت للحادثة و عندما أجريت عملية لعيني..كان دخوله مليئا بالذكريات السيئة..توجهت أنا و أمي إلى مكان الإستقبال..قالت أمي للمرضة:((أرجوك أين تنام السيدة ميرتيل بولاس)).
قالت الممرضة بعد إن إستغرقت ثواني للبحث:((إنها في الغرفة 10 الطابق الثاني)).
قالت أمي:((حسنا شكرا لك)).
ثم توجهنا إلى المصعد..كانت غرفتها في نفس الممر الذي كنت فيه سابقا..الغرفة 15 الطابق الثاني..وصلنا إلى الطابق..وكانت تلك الرائحة التي تجعل رأسي يحس بالإنفجار تملئ الممر..رائحة المستشفى..الأمراض..الألم..الحزن و الفراق..أخذنا نتحرك و أنا ممسك بيد أمي و أحمل العصا في اليد الأخرى حتى وصلنا..طرقت أمي الباب مرتين لتقول عجوز غريبة:((تفضلا)).
ثم دخلنا..قالت أمي:((مرحبا..ميرتيل كيف حالك؟؟)).
لتقول ميرتيل بصوت منخفض:((في أفضل حال)).
لاأظن الأمر كذلك..لتقول أمي:((مرحبا سيدتي..أظن أنك أخت ميرتيل؟؟)).
قالت العجوز:((نعم أنا هي..و إسمي "أنيتا بولاس")).
قالت أمي:((تشرفت بمعرفتك..هذا إبني لوك)).
قالت أنيتا:((أعلم ذلك لقد أخبرتني عنه ميرتيل)).
إذن لقد جائت من إيطاليا كي ترى أختها..وبسبب الزكام..شيئ غريب..قالت ميرتيل:((أراك صامتا لوك)).
قلت بتوتر:((أه. لا..فقط هذا المكان يذكرني بالماضي)).
لتقول أنيتا:((سنترككم لوحدكم)).
أمسكت يدي حتى جلست مكانها..ثم رحلوا و أغلقوا الباب ورائهم..قلت بعدها:((كيف حالك؟؟)).
قالت:((أنا على مايرام..فقط زكام بسيط..كما تعلم فقد صرت عجوزا..)).
قلت بحزن:((نعم..أرى ذلك..)).
قالت:((كيف حال أصدقائك؟؟..)).
أحسست بضربة قوية في صدري..قلت بفم مرتجف:((بروك لي في حال جيد..وديريك..قام بخيانتي...)).
ثم أخبرتها بكل ماحدث..قالت بعد صمت:((لم أكن أتصور أن يفعل شيئا مثل هذا!!)).
قلت:((و لا أنا أيضا..لكن لابأس رغم إنقلاب العالم علي من جديد..سأصبر..)).
قالت العجوز وهي تضع يدها الباردة فوق يدي:((لاتخف..و لاتستسلم..فما ضرك لو أطفئ العالم كل أضوائه أمامك..مادام النور في قلبك متوهجا..)).
دائما كلمات العجوز حكيمة..لهذا أنا معجب بها..فتحت أنيتا الباب وقالت:((حان وقت الراحة)).
قلت:((حسنا أنا قادم)).
ثم أغلقت الباب من جديد..وقفت من مكاني و قلت قبل أن أذهب:((الخطوة السابعة..الهدية..لقد إخترتها)).
قالت العجوز:((حسنا..و ما هي؟؟..)).
قلت:((هي أن تعودي إلى كامل صحتك..فأنا في حاجة إليك..بجانبي..أريدك البقاء معي..)).
ثم رحلت و أنا أضرب بعصايا نحو الباب..قالت عندما فتحته:((سأحاول..على الأقل)).
إبتسمت لها..ثم أغلقت الباب..

أعمىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن