حكمة

1.1K 48 5
                                    

كانت ليلة البارحة من أفضل الأوقات لدي،من كان يظن أن أكون مسرورا في تواجدي مع ديريك...لقد تعرفت عليه...و مازلت أريد معرفة الكثير عنه...فهو شخص طيب..يمكن أن أجعله صديقي الجديد...رغم أن التخلص من ذكرياتي مع لونارد صعب..لكن كلما أنطق إسمه تسقط تلك الجملة في رأسي..."لن أكون خادمته"...

أسرعت اليوم في تناول فطوري،فالعجوز ستأتي لتدريبي،أخذت أحضر خبزا مدهونا بقليل من الجبن ثم ذهبت أنتظر أمام باب المنزل،فذلك كان مكان إلتقائنا...بعد دقيقتين جائت ميرتيل عندما قالت:((أسفة على التأخر)).
أجبتها:((لابأس..هذه المرة)).
سمعتها تضحك بصوت مكتوم..و إرتسمت إبتسامة على وجهي أيضا...تمشينا لمدة وهي ممسكة بيدي،كنت أظهر كطفل صغير تأخذه جدته إلى المدرسة،كان الأمر مخجلا بعض الشيئ.

وصلنا بعدها إلى مكان منعش جدا،كانت الرياح باردة و جميلة جدا،فقد حل الربيع إذن،سمعت صوت أوراق الأشجار و كذلك ضحكات الأطفال وهم يلعبون،فكرت لحظتها:((إنها الحديقة العامة!!)).
قالت العجوز:((نعم أحسنت)).
لاحظت مؤخرا أنني أستطيع أن أستعمل حاسة السمع جيدا،كم تمنيت الجلوس و إستنشاق بعض الهواء النقي،لكن العجوز قالت:((فل نبدأ تدريبنا)).
أكره تصرفاتها اللئيمة هذه..أظنها تبتسم شرا الأن.

وقفت و أنا أنتظر...ماذا تفعل هذه العجوز؟؟..لتقول بعد لحظات:((لقد وضعت لك بعض المعيقات هنا..و الهدف منها هو أن تتحرك و تستعمل عصاك في تفاديها.. فإذا نجحت نذهب للخطوة الثالثة...إذا رسبت و سقطت فقط لمرة واحدة..سأرحل و أتوقف عن تدريبك.. )).
كيف؟؟!..هل جننت!!!..أبي يدفع لك مقابل تعليمي...لكن لم أستطع أن أقولها..لذلك إكتفيت فقط أن إستعددت للبدأ.

بدأت أتحرك و أنا أضرب بعصايا على الأرض،كانت العديد من الأحجار الضخمة أمامي،لذلك قمت بتجنبها،بعد خمسة أمتار أحسست بإناء مملوء بالماء..لكن كيف أحضرت معها كل هذا..تفاديته لأجد بعد ثلاثة أمتار مجموعة من الأدوات الصلبة في كل مكان على الأرض..أظنها أشياء حديدية..إنها تريد قتلي هذه العجوز...لكن تفاديتها بعد مشقة..و أخيرا أحسست بسلك ما. في كلا الإتجاهين..أظنه مسارا ما..لذلك بدأت أتحرك فيه متفاديا لمسه..كان صعبا جدا..فأي لمسة أو خطأ..يعني ذهاب كل شيئ..فهدفي الأساسي هو القراءة..بدأ مجموعة من الأطفال يتهامسون فيما بينهم:((أنظر إليه..يفعل مثل شخص يتعلم السياقة)).
ثم بدأو في الضحك..أظنني أضحوكة في النهاية..إستطعت إنهاء الإمتحان الغريب بعد تعب جسدي و عقلي..ثم أسرعت بغضب أجلس فوق الكرسي...لقد تعبت من تصرفات الأطفال الغبية...تعبت كثيرا...

بعد أن قامت العجوز بجمع أغراضها القديمة الغبية جائت تجلس أمامي،قالت لي:((أحسنت..إجتزت الخطوة الثانية..)).
أجبتها مسرعا:((ماهي الخطوة الثالثة؟؟..)).
توقفت ولم تجب لأسمعها تنهدت..ثم قالت:((هل غضبت بسبب كلمات أطفال صغار)).
كلمات أطفال صغار!!!..و بكل بساطة...أجبت و أنا أشتعل غضبا من جديد:((إنهم أطفال..يقولون الحقيقة الظاهرة..و ليسوا كبارا.. يخبئون الواقع كي لا يقوموا بجرح الأخر...)).
قالت:((إنك على حق..لكن هل نسيت الخطوة الأولى..أن تواجه نفسك..)).
أجبتها بغضب جامح:((لا أهتم لهذا الهراء أبدا..هل تفهمين..أنا فقدت بصري..أعمى..عالة على المجتمع..وعلى عائلتي..أصدقائي..و عليك أنت..)).
توقفت و أنا أحاول التنفس من جديد..قلت بعد أن صمتت العجوز و لم تجب:((أنا أسف..)).
ثم تحدثت أخيرا:((لوك..صغيري..سأخبرك ماقالته لي أمي يوما عندما كنت صغيرة..أن اللحظات الغير مخطط لها غالبا ما تكون هي الأجمل، لأننا نعيشها دون توقعات..هل فهمت الأن..)).
بكل بساطة نعم..لقد علمت الصديق من العدو..و بدأت أجد نفسي أبدأ في التطور.
و كانت أخر ما قالته لي العجوز قبل العودة:((كن على طبيعتك ولا تهتم لرأي الناس،لقد خلقك الله على ما أنت عليه لحكمة)).
أظنها على حق..فقد جعلني كوني أعمى أرى الكثير من الأشياء التي كنت أجهلها سابقا.

لكن...حدث شيئ لم يكن متوقعا حقا..فقد بدأ رأسني يؤلمني بشدة وسط الليل..كان كأنه سينفجر إلى أشلاء..بدأت أصرخ مناديا على أبي و أمي..لكن أغمي علي لحظة دخولهم.. فقد إستسلمت للألم...أه..وما أجمل كلمة "صغيري" من فم العجوز..

أعمىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن