وضعت رأسي بجانب نافذة غرفتي..حيث توجد الشجرة الضخمة..كانت الأمطار تتساقط دون توقف..فقد كان صوت إرتطامها بالنافذة مرتفعا..كمن يرسل حجارة ليكسرها..أحسست بنوع من الشرود يتملكني..فلم أصدق بعد ماحدث..أظنه مجرد حلم؟؟..خوف تجسد على شكل حقيقة!!..لكن عندما فتحت أمي الغرفة قائلة:((لوك..هيا بنا..سنتأخر عن المراسم..)).
نعم..لقد رحل..اليوم سيتم وضعه أسفل التراب..حيث سيبقى دائما..لقد رحل..وقفت بطريقة مائلة ثم تحركت بخطوات شبه بطيئة..لم أعد أستطيع الوقوف..ناهيك عن الحركة..فقط أريد السقوط فوق سريري الرطب و النوم في عالم مليئ بالأحلام الجميلة...نزلت الدرج و أنا أحرك عصايا بتثاقل..لقد أعادتها أمي إلي عندما أسقطتها في المستشفى..لم أستطع أن أمسكها..فإنها تذكرني بتلك اللحظة..حيث توقفت الألة عن الحركة..حيث توقف قلبه عن النبض. كانت رائحة الغرفة مازالت ملتصقة به..أشعر بالخوف كلما حملتها..إلتقيت بأمي في الأسفل..أمسكت بيدي وخرجنا جميعا نحو السيارة..فقد إرتدى الجميع الأسود اليوم..و أظن نفس الأمر ينطبق علي..جلست في السيارة دون أن أقول شيئ..فقط فتحت عيناي التي وجهتها نحو نافذة السيارة..لكن لا أرى شيئا سوى ظلام أكثر سوادا من ذي قبل..كانت حركة السيارة تجعلني أشعر بالنوم..النوم الثقيل..فجأة توقفت السيارة..لقد وصلنا..و أنا أضع قدمي على الأرض خارجا من السيارة..أحسست كأن قلبي قد توقف..تجمدت الدماء في عروقي..كانت رائحة التراب تملئ أنفي..و الأمطار لاتتوقف أبدا..وضع أبي مظلة فوق رأسي..و ذهبنا في حركة واحدة..كانت أصوات الناس وهم يعزون عائلة بروك لي تملئ المكان..أحسست بقليل من الخوف عندما سمعت أبي يتحدث مع السيد ألبرت:((تعازياتي الحارة على ماحدث..أتمني لكم الصبر و السلوان..)).
أجابه السيد ألبرت بصوت تعب:((شكرا لك سيدي)).
لم أستطع الحديث معه..فقد إنطبقت شفتاي و لم تفتحا للكلام..أمسك السيد ألبرت بكتفي ثم ضمني بقوة..وقال لي في أذني:((لقد كنت صديقا مخلصا له حتى النهاية)).
ثم سمعته يرحل نحو أشخاص غرباء..كانت كلماته هذه قد جعلت القليل من الدموع تنهمر فوق وجنتاي الباردة...
بعدها توجهنا للجلوس فوق الكراسي المواجهة للصندوق الذي يقبع فيه بروك لي كالعادة..بدأ رجل في الحديث..لم أسمع أي من كلامه..فقد كانت أصوات الأمطار تغطي كل شيئ..فقط أريد العودة إلى المنزل..أريد أن أنام..أريد أن أبكي لوحدي..أريد أن أتألم دون أن يراني أحدا..أو يشفق علي..لكن عندما سمعت صوت ديريك يتحدث..عدت إلى وعيي من جديد..فقد حان الوقت لكي يتحدث كل شخص مقرب إليه بضع كلمات قرب الصندوق المغطى بالورود..قال ديريك:((لقد كان بروك لي صديقا مخلصا..طيبا..محبا..و لطيفا جدا..لم نحظى بالكثير من الوقت معا..لكن..ماقضيته معه..كان كفيلا أن يجعلني أحبه..و أن يكون صديقا مقربا إلي..)).
لقد كانت كلماته مؤثرة جدا..ليأتي دور دانيال بعدها:((لقد فقدت أخا اليوم..أول أخ حظيت به..حملته بين ذراعي..و إبتسم فيهما..لقد أحببته جدا..كان صديقي..أخي..الجدار الذي أتكئ عليه..رغم صغر سنه..فقد كان قويا..و بطلا بالنسبة لي..إنني أفتقدك كثيرا بروك لي..)).
يإلهي لا أستطيع التحمل!!..أريد العودة إلى المنزل..جاء دور كريسي بعد مرور بعض الأشخاص من عائلته...قالت:((لقد كان بروك لي شخصا مجدا في دراسته..يحب الجميع في الفصل و يحبونه..و قد كنت منهم أيضا..لكنني كنت أكن له مشاعر مختلف عن البقية..مشاعر لم أستطع أن أبادلها معه..فقد رحل الأن..و أتمنى أن يكون قد علم ذلك..على الأقل..)).
مسكينة كريسي..بعدها أحسست يدا تمسك بي..قال ديريك:((دورك لوك..)).
لقد نسيت أنني أيضا سأتحدث..وقفت بخوف..ساعدني ديريك حتى وقفت..أحسست بالقليل من التوتر..لكن لحسن الحظ..فقد إستطعت الحديث دون إرتعاش أو تعلثم..قلت:((بروك لي كان من بين الأشخاص المميزين لدي..فقد إلتقينا في شلال بالصدفة..حيث ذهب الجميع لسباحة..فأنا أعمى..وهو مريض..جلسنا دون أن نقفز مثل البقية..وهناك بدأت محادثتنا..و التي أنا مسرور أنها قد حدثت..كان بروك لي شخصا قويا..صبورا و شجاعا رغم مرضه..ليس مثلي..فقد كان السبب في أن تقدمت لأمام أيضا..لم أصدق أنه قد رحل..لكنه سيبقى دائما في قلوب من يحب..)).
بعدها عدت إلى مكاني و قلبي قد عاد إلى طبيعته..و إختفى الخوف و التوتر الذي كان يتملكني..و أخيرا جاء دور أخته الصغرى ليا..و التي قالت بصوتها الرقيق:((لقد كان بروك لي دائما مايساعدني على النوم..فقد كنت دائما ما أخاف الظلام..و كان يردد لي أغنية قد كتبها..كانت بسيطة..لكنها كانت كفيلة بجعلي أنام..و سوف أغنيها الأن له..لينام بسلام دون أن يخاف من الظلام..)).
ثم بدأت تغني بصوتها الطفولي المتزن..
نامي نامي أيتها الفراشة الصغيرة..
فالشمس مشرقة في السماء الزرقاء..
و الطيور تحلق وهي تغني نامي نامي ياصغيرتي..
فالظلام ضعيف و خائف من مواجهتك ياحلوتي..
فأميرك الشجاع بجانبك حتى تذهبي إلى أحلامكي..
نامي نامي أيتها الفراشة الصغيرة..
فأميرك سيحميك دائما أينما كان..ثم إنتهت..لقد كانت رائعة جدا..فأنا على يقين أنه سيحميك حتى بعد رحيله..ليا الصغيرة..
لم تتوقف الأمطار بعد..أخذت أنا و ديريك نتحرك في الأرجاء..قلت له:((لقد كانت أغنيته رائعة)).
قال:((نعم..إنه مؤلف محترف..)).
ثم ضحك كلانا..قال:((لقد عدنا إثنين من جديد..)).
قلت:((لا..فما زال بروك لي معي..في قلبي..)).
قال:((نعم أنت على حق..)).
وقفنا و الأمطار مازالت تسقط..لكن ليس بغزارة مثل السابق..قلت:((أسف على سؤالي..لكن دائما ماكنت أفكر..العلاقة بينك و بين مولي..لقد أخبرتني أنها إبنة عمك..لكن..ليس لكم نفس الإسم العائلي؟؟..)).
ضحك ديريك قبل أن يقول:((لقد أخذ منك هذا الكثير من الشجاعة على ما أظن..)).
أحسست بنوع من الخجل من جوابه..أتمم كلامه:((نعم كما تعلم فإسم عائلتي هو برافين..بينما مولي هو أرمسترونج..نعم أبي أخ لأبيها..لكن ليس من نفس الأب..فجدتنا قد تزوجت جدي أولا قبل وفاته بسبب مرض غريب حينها..وعند إنتهاء فترة الحداد تزوجت بجد مولي..حيث أنجبت والدها..لذلك فهم إخوة من الأم فقط..لذلك أسماء عائلتنا مختلفة..أفهمت الأن..)).
أجبته بإبتسامة واهنة:((نعم)).عدنا إلى المنزل أخيرا..صعدت إلى غرفتي مباشرتا..و إرتميت فوق السرير..أحسست بنوع من الراحة لحظتها..قبل دخول أخي الصغير..قلت و أنا أجلس مستقيما:((ماذا تريد مايكي؟؟..)).
قال وهو يجلس بجانبي:((لقد أعطاني أخ صديقك الأكبر رسالة)).
رسالة؟!!..من بروك لي..قلت له و الخوف قد عاد يتملكني من جديد:((هل تستطيع أن تقرأها من أجلي..)).
قال:((نعم)).
سمعته وهو يفتحها..ثم بدأ في قرائتها:((إلى صديقي العزيز لوك..أنا مسرور جدا بالوقت الذي أمضيته معك،فقد كان رائعا و مليئا بالمغامرة و المرح،خاصتا الأوقات التي قضيناها معا في منزلك،لقد جعلت بقية حياتي تمر بسلام و هدوء،شكرا لك على حبك لي و تقبلك لي رغم مرضي هذا،و أتمنى لك الشفاء أيضا،و العودة إلى طبيعتك السابقة،أن ترى من جديد..سأشتاق إليك كثيرا...صديقك المخلص بروك لي..)).
قلت له:((شكرا لك مايكي)).
قام بعناقي ثم قال:((لقد كتب هنا أن يعانقك من قرأ الرسالة)).
إبتسمت بهدوء..قال مايكي قبل ذهابه:((أظنك قد حظيت بصديق جيد..أنا أحسدك في هذه النقطة)).
ثم أغلق الباب ورائه..يالك من شقي أيها المشاغب..أخذت الرسالة و حاولت وضعها في خزانتي..إستلقيت في سريري من جديد.. و وجهت عيناي نحو السقف..و قلت بعد صمت:((و أنا أيضا قد إشتقت إليك)).
أنت تقرأ
أعمى
Romanceكم هو صعب أن تكون شخصا عاديا يستمتع بحياته و شبابه..و في لحظة يختفي كل شيئ و تجد نفسك وسط ظلام كاحل..لترى بعدها حقيقة من تحب و حقيقة من كنت تكره..ومن سينتصر في النهاية..النور المليئ بالحب و الصداقة..أم الظلام المشبع بالكره و الخيانة..أو كليهما.. "أ...