أعمى:الجزء الثاني

313 20 22
                                    

بعدما إنتهى كل شيئ...عاد من جديد...فالواقع الذي أعرفه مجرد قطرة...أما الحقيقة فهي محيط شاسع...إسمي لوك...وقد أتممت عامي السابع و العشرين...أعيش مع عائلتي المكونة من زوجتي مولي و إبني بروك لي و إبنتي ميرتيل...صرت معلما للعميان...حيث تكلفت بفتى في السابعة عشر من عمره...و إسمه كارل...شاب يذكرني بسابق عهدي...عندما كنت ضعيفا و عاجزا مثله...عندما تركتني الحياة أتربص في الظلام...لكنني لم أستسلم رغم ذلك...و هو الأمر الذي أحاول تعليمه لكارل...لكن الأمر الوحيد المختلف بيننا...أنه لن يرى أبدا...لذا عليه أن يتعايش مع قدره إلى مماته...كان الواقع أصعب عليه...فقد أعطيته جرعة أمل زائف...الأمر الذي جعلني أحاول مساعدته لتجاوز هذه العقبة المستديمة...جاهدا في سبيل جعله يعيش حياته رغم المستقبل الذي ينتظره...يجب عليه الإبتسام رغم همومه...يجب عليه المضي رغم ألامه...يجب عليه العيش رغم عيوبه...فهكذا ينجو العميان في رقعة الظلام الدامس...هذا هو هدفي في الحياة...لكن كل شيئ كان مبهر في البداية...و بفقدان الأمل فقدت كل شيئ حتى نهاية قصتي لم تكتب...

إستيقظت على أصوات العصافير الصباحية...و الهدوء يعم الغرفة...دون صياح الأطفال و ضحكهم...فقد ذهبوا لتمضية العطلة الصيفية رفقة جدتهم في المنزل الجبلي...إشتقت إليهم كثيرا...فهم من يجعلو اليوم يمر في أحسن أحواله...أخذت لنفسي حماما ساخنا ثم إرتديت ملابسي تحضيرا للعمل...وجدت مولي في الأسفل قد حضرت الفطور...رائع و لذيذ...طبعت قبلة على جبينها الرطب ثم جلست أتناول البيض رفقة الخبز المحمص...قالت وهي تضع القهوة أمامي على المائدة:((كيف حالك اليوم؟؟...).
أجبتها:((بخير)).
فهذه الأيام لم أكن على سجيتي...كانت نفسيتي متقلبة جدا...بدأت بالإحساس بالقلق و التوتر...كأن قبضة من حديد تمسك قلبي...ولم يزل الأمر بعد...فمنذ أن علمت بالأمر و أنا على هذا النحو...
قالت مولي وهي تجلس أمامي:((أعلم أنك قلق...لكن يجب عليك الإستمرار)).
أجبتها و أنا أخذ رشفة من قهوتي:((الأمر سهل علي...لكنه صعب جدا عليه)).
فقد كنت أحمل نفس الأمل معه...بل أنا من أعطاه هذا الأمل...لكنه تحطم بسهولة كالزجاج الهش...
قلت:((فقط لو كان بإمكاني القيام بشيئ ما...فقط...)).
قاطعتني مولي ممسكتا بيدي:((لقد قمت بالأمر المطلوب...لقد أتممت جميع الخطوات حتى النهاية...لكن للقدر رأي أخر)).
نعم...للقدر رأي أخر...فمنذ أن أخبرنا الطبيب أن الأمر قد إنتهى...كل شيئ قمنا به منذ البداية لم يعد ذو نفع بعد الأن...
لتقول مولي:((أنت مخطئ...أعلم فيما تفكر...لقد قمت بمساعدته وقد صار أفضل من الماضي...لقد أتقن إستخدام العصي و صار قادرا على القيام بأموره لوحده دون مساعدة...)).
أتممت مكانها:((لكنه لن يرى رغم ذلك...لا أمل في الأمر)).
أسف مولي أعلم أنني أجعلك تقلقين علي...لكن الأمور لا تسير دائما على النحو الذي نريده...فقد حاولت جاهدا كي أنزع هذا الألم من صدري...لكنني لم أستطع ذلك...فرغم أنها تبتسم أمامي إلى أنها تتألم بداخلها أيضا...و هذا ما يجعلني أغرق في حبي لها...أحبك كثيرا مولي فأنت أكثر شيئ سعيد في حياتي...
قالت مولي:((لوك...فقط لماذا تعذب نفسك هكذا؟؟!)).
أجبتها و أنا متأكد من كلامي:((لقد ظننت طوال هذا الوقت أنني قد نسيت ما مررت به...لكنني عندما إلتقيته و أمضيت معه عاما بأكمله...إسترجعت كل المشاعر و الذكريات و المواقف التي ظننت أنني تخطيتها)).
نعم...فالأمر لم ينتهي بعد...شيئ ما يخبرني أنني لم أكمل الطريق بعد...قلبي و روحي كلي متأكد من أن شيئا ما سيحدث من جديد...

أعمىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن