العين

91 6 7
                                    

لأجد نفسي في دوامة من الظلام و الصراخ و البكاء...سقطت في غرفة مظلمة و يداي مكبلتان بسلسلة من حديد...و الألم يسري في جسدي بأكمله... حاولت الكلام لكن شيئا ما إبتلعني ثم إستيقظت بعدها...رأسي يؤلمني و شيئ ما يغطي عيني...سمعت صوت مولي و هي تقول:((لقد نجحت عزيزي....كل شيئ على ما يرام الأن)).
لم أكن قادرا حقا على تمييز ما تبقى من كلامها...لكني قلت بصوت متعب:((ماذا...ماذا حدث؟؟...)).
أحسست بيدها الدافئة وهي تمسك بي:((لقد نجحت العملية التي أجريتها...سوف تكون قادرا على الرؤية بعينك اليسرى...)).
أتممت:((على الأقل)).
قالت:((نعم...على الأقل)).
ثم إبتسمت لسخافة وقع الكلام علي...بعدها سمعت صوت الباب و هو يفتح...قالت مولي:((مرحبا دكتور)).
ثم أجاب صوت خشن:((كيف حالك لوك..)).
أجبته:((بخير...فقط أشعر بقليل من التعب)).
قال:((لكن الأن ليس الوقت المناسب...هل أنت مستعد لإزالة الغطاء من على عينيك)).
أجبته بتوتر:((نعم...بالظبط أنا مستعد)).
ثم طلب من مولي أن تساعدني على الجلوس في الكرسي المتحرك...قلت بشك:((أين سنذهب؟؟..)).
أجاب الدكتور:((ألا تريد من عينك اليسرى أن يكون أول شيئ تراه هو أشعة الشمس؟؟...)).
أجبت و قد أعجبتني الفكرة:((نعم...أود ذلك)).
ثم قامت مولي بعدها بدفعي و أنا جالس على الكرسي المتحرك...تحركنا لمسافة لم أستطع معرفتها...لكن بعد لحظة أحسست بالجو قد صار باردا بعض الشيئ...و أشعة الشمس تجعلني أشعر بالدفئ...فقد أحسست كأنني سأرى الحياة مرة أخرى...كالشخص عاش داخل حفرة مظلمة طوال حياته...و سيرى نور الشمس أخيراً...توقفت مولي عن الحركة...أظن أننا قد وصلنا...قال الدكتور بعدها:((لقد حان الوقت)).
ساعدتني مولي على الوقوف...ثم قال الدكتور من جديد:((أظن أنه من الأفضل أن تكون زوجتك من تحظى بهذا الشرف)).
لتضع مولي أصابعها الدافئة حول رأسي...ثم بدأت تنزع عنه الضمادة التي كانت تحيط به...لفة بعد لفة...بعد لفة...حتى أحسست بأخر لفة تسقط على الأرض...قالت مولي بصوت قد غلبه التوتر:((الأن عزيزي...)).
حركتهما بكل لطف و بطئ...أحسست بأشعة الشمس تنقشع عليهما...ثم فتحت أخيراً...و أول شيء نطقت به شفتاي:((جميل جدا)).
سمعت مولي تقول:((يا إلهي الحمد لله...)).
بدى الأمر كأنني أرى بعيناي الإثنتين...لقد كان المنظر جميلا جداً...قلت لمولي:((أين نحن؟؟...أين هذا المكان؟؟...)).
لكن لشدة روعة هذا المكان لم أستطع التوقف عن الكلام:((يالها من مروج خضراء جميلة...و الأشجار الصغيرة التي ترقص أمامي... رائع جدا...أنظري إلى هذه الخرفان البيضاء في الأسفل...و الأحجار الرمادية المتفرقة في كل مكان هنا...و أشعة الشمس...دافئة و مشرقة...ما هذا المكان مولي؟؟..هل نحن في الريف؟؟..)).
قالت مولي:((ماذا؟؟...)).
عندما أمسكت بيدي إختفى كل شيئ...حتى النظر قد صار أقل من السابق...قلت بتوتر:((أين نحن؟؟..)).
قالت و قسمات وجهها لم تتغير أبدا...:((نحن في مستشفى الأخوات...)).
لم أصدق الأمر...قال الدكتور و هو رجل ضخم البنية...و هذا يفسر سبب خشونة صوته:((إنها مجرد أثار ما بعد العملية...ما رأيته كان من نسج خيالك فقط...)).
تسائلت داخل أنفاسي:((نسج من خيالي!!..لكنني لم أرى هذا المكان أبدا طيلة حياتي...)).
عندما أدرت وجهي للمكان الذي وقفت فيه...لم أرى سوى بنايات المستشفى و حديقة صغيرة مزينة...

أعمىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن