أخذت أركض دون توقف...أحسست بأنفاسي تنحبس داخل رئتاي...خرج الدخان من فمي كثيفا و دفئه أشعر به وهو يغطي وجهي و أنا أحاول زيادة سرعتي...وقفت للحظة ألهث و الدموع تنحبس داخل حلقي...أردت الصراخ عاليا...لكن صوت النهج المنقطع الأنفاس هو ما أستطيع إخارجه...حاولت أن أوازن نفسي و أنا أضع ثقلي كامله فوق العصا...و العرق يتصبب من جبيني بارد و لزج...حاولت تمالك أنفاسي...لكن الدموع أبت أن تتركني لوحدي...و أنا أحاول أخذ أنفاسي كشخص يختنق لتوه...قال صوت رقيق طفولي:((هل أنت بخير سيدي؟؟))
حاولت الوقوف معتدلا ثم قلت بعدها:((نعم...أنا بخير)).
قال الصوت مجدداً:((لكنك كنت تنهج بشدة)).
قلت و أنا أمسح العرق من على جبيني:((فقط كنت متعبا من شدة الركض)).
قال:((هل تحب الركض في الصباح الباكر؟؟)).
أجبته:((نعم)).
قال بصوت مرتفع:((أنا أيضا)).
كذبت عليه كي أتخلص منه...لكني قلت:((ما إسمك؟؟)).
قال:((إسمي مايكل و عمري تسعة سنوات)).
أجبته:((وهل تركض لوحدك في هذا الوقت الباكر؟؟)).
أجاب مايكل:((نعم فأبي يقول لي دائما أن أستيقظ باكرا و أركض لمدة نصف ساعة تقريباً لو أردت أن أصبح لاعب كرة قدم بارع)).
قلت و كلمة أبي تغص داخل قلبي:((إذن أنت تحب كرة القدم)).
أجاب:((نعم كثيراً)).
قلت و قد أعجبني الحديث معه:((هيا فل نكمل طريقنا و نتحدث قليلا)).
قال و قد بدأنا التحرك:((ألا تحتاج شخصا يرافقك عندما تخرج؟؟)).
قلت:((لماذا؟؟)).
قال:((أنت...شخص...)).
لم يكمل كلامه...لكنني قلت:((هل تعرف ما أكون؟؟)).
إبتسمت كي أشعره بالراحة...ثم قال:((أنت شخص أعمى...ترتدي نظارات سوداء و تحمل عصى بين يديك)).
قلت:((نعم أنت على حق...أنا كذلك)).
أعمى عديم الفائدة...قال مايكل بصوت رقيق:((ماذا حدث لك سيدي؟؟)).
ياله من طفل غريب و ذكي...أجبته:((حادث...حادث سير)).
حادثة سير غريبة و مؤلمة...أتممت بعد لحظة:((لقد حدث هذا عندما كنت شابا و عاد نظري بعدها ثم فقدته من جديد بطريقة غريبة)).
قال الطفل:((ألا تشعر بالغضب عندما عدت أعمى من جديد؟؟)).
لقد شعرت به حقا...قلت له:((نعم...لكن هناك أمل كي تعود عين واحدة كما كانت؟؟)).
قلت بعد صمت:((هل تريد رؤيتهم دون نظارات؟؟)).
قال مايكل:((نعم أود ذلك)).
وقفت ثم نزعتهم...صمت للحظة... هل أشعرته بالخوف؟؟...أرجعتهم بسرعة...ثم قال بعدها:((أنت حزين سيدي)).
كيف؟؟؟...قلت:((كيف عرفت هذا؟؟؟)).
قال:((أرى أنك كنت تبكي كثيراً...فعيناك رغم ذلك يدلاني على ذلك...و وجهك أيضا...)).
إنه طفل غريب حقا...أجبت:((نعم...أنا حزين... فقد مات والدي)).
قال الطفل:((أعرف شعورك فلو كان أبي من مات لما عرفت ماذا سأفعله)).
نعم الأمر صعب جدا...أتمم مايكل:((لكن لا تفقد الأمل فصديقي سامي مات والده عندما كان في الخامسة و كان حلمه أن يصير إبنه لاعب كرة قدم معروف...و هو الأن يكمل حلم والده وهو حلمه أيضا...لذلك سيدي أتمم حلم والدك و كن مايريدك أن تكون عليه)).
حقا ياله من طفل رائع...قلت له:((ما إسمك مجددا؟؟)).
قال:((مايكل)).
قلت له:((أنت ولد طيب مايكل...و أنا متأكد أنك ستكون لاعب محترف...و أنا متشوق كي أشاهدك في أحد أكبر الأندية)).
قال مايكل:((و أنا أيضا سيدي...فلتكن مبصرا حينها حسنا)).
أجبته مبتسما:((حسنا...أعدك بذلك)).
ثم قال بعدها:((سأذهب الأن فأبي سيكون في إنتظاري)).
قلت له:((حسنا كن حذراً مايكل)).
ثم سمعت خطواته و هي تبتعد...لقد غير مزاجي...فقد صرت قادرا على إنهاء يومي دون أن أفقد أعصابي...فقد ذكرني هذا الطفل بنفسي عندما كنت في نفس عمره...فتى طيب و ذكي...مثلي تماما...إشتد البرد اليوم كثيراً...أشعلت مولي المدفأة لتبدأ بعض من خطوط الحرارة في تزيين الجو و جعله دافئا...تكومت داخل معطف دافئ و أخذت أفكر دون توقف...فهذا ما أفعله كل يوم...وضعت مولي القهوة و رائحتها زكية جدا...بعدها بلحظة رن جرس المنزل...فتحت مولي الباب و رحبت بمن حضر...ثم قالت عندما وصلت إلى الغرفة:((لوك إنها السيدة ميلبورن و إبنيها)).
نزعت المعطف ثم جلست بشكل جيد ثم قلت:((تفضلوا)).
سمعت صوت حفيف أقدامهم و هم يجلسون أمامي...قالت السيدة ميلبورن:((نحن نأسف على ماحدث لوالدك سيد لوك)).
أجبت مبتسما بوهن:((شكرا لك سيدة ميلبورن)).
بعد صمت و تمتمة قالت فتاة:((أسف لما حدث لكم سيد لوك)).
إنها دالا...أجبتها:((شكرا لك دالا)).
قال أخوها بعدها بكياسة:((أسف أيضا)).
كارل...إبتسمت دون جواب....فلم أعد أستطيع تكرار الكلام كل يوم...فأبي رحل...هذا هو الأمر الواقع...و لا ينفع الكلام و الأسف...قالت السيدة ميلبورن:((سيد لوك...لقد جئت أيضا كي أعتذر على كل ماحدث)).
قلت:((على ماذا؟؟)).
ثم قالت:((على ما قاله كل من إبنتي و إبني)).
لقد نسيت الأمر حقا...ثم تحدثت دالا بصوت منخفض:((أسفة على كل ما قلته لك سيد لوك... فقد كنت غاضبة و لم أكن أعي ما أقوله)).
قلت:((لا بأس دالا أنا أسامحك)).
ثم قال كارل بعدها:((و أنا أسف أيضا)).
قلت:((أسامحك أيضا كارل)).
فأنا لم أعد أهتم حقاً...ثم قال كارل:((كما أريد طلبا أيضاً)).
قالت والدته:((وما هو؟؟؟...لم تخبرني بشيئ)).
قال و قد سمعت صوت عصاه تضرب الحصيرة الصوف نحوي:((أريدك أن تعود معلما لي من جديد)).
جال صمت في الغرفة للحظات...لم أعرف ماذا أقول...أتمم قوله:((أنت أعمى الأن مثلي...و أريد أن أتعلم أكثر...و هذا سيكون جيد بالنسبة لك أيضا)).
لم أكن أعرف بماذا أجيب...أنا لا أستطيع...لكن لمسة دافئة وضعت على يدي...إنها مولي...تساعدني على إتخاذ القرار...و قد عرفت الجواب...قلت:((حسنا...أوافق...)).
قال:((أنا أعلم شعورك...هذه الأفكار المتراكمة داخل رأسك ستصيبك بالجنون...حتى لو لم تفقد بصرك...لذا ليكون هذا مفتاح لي و لك للتخلص من الماضي)).
أومأت برأسي إيجابا...و إبتسمت له علما أنه لن يراها بدوره...لكن هذه الكلمات التي قالها...لقد سمعتها سابقاً...أنا متأكد من هذا...لكن لا أعرف أين...المقابلة الرابعة...
"إسمي سارا...و أنا واحدة من أصدقاء لوك...و اليوم سأخبرك بقصتي المتواضعة...لقد ولدت في عائلة متوسطة وسط ثلاثة إخوة و أنا الفتاة الوحيدة...كنت المدللة و المحبة لإخوتها و كنت نبع الحنان بعد وفاة أمي...كان الأمر صعبا بعض الشيئ لكن هذه هي الحياة...كنت أحب الموسيقى منذ صغري و كنت دائما ما أغني مع أمي...فدائما ما كان أبي يبكي عندما أغني له... فقد كان يقول لي أن صوتي يشبه صوتها...فقد كانت أمي تحب الغناء أيضا...جعلت من حلمي حلمها و قاتلت من أجله...عند دخولي الجامعة وقعت في الحب للمرة الأولى...و أظن أنك تعرف من هو هذا الشخص...إنه أنت لوك...رغم كونك تحب فتاة أخرى...ذلك اليوم في المقهى عندما إعترفت لك و عرفت الحقيقة...حزنت كثيراً...و بكيت أيضا...لكن مارس كان بجانبي...و يومها وقعت في حبه...فحلمنا و شغفنا واحد...و هكذا وجدت الشريك المثالي... و هذه قصتي...كما أخبرتك عادية و مملة أيضا...أنا أمزح فقط...)).
نهاية المقابلة...
أنت تقرأ
أعمى
Romanceكم هو صعب أن تكون شخصا عاديا يستمتع بحياته و شبابه..و في لحظة يختفي كل شيئ و تجد نفسك وسط ظلام كاحل..لترى بعدها حقيقة من تحب و حقيقة من كنت تكره..ومن سينتصر في النهاية..النور المليئ بالحب و الصداقة..أم الظلام المشبع بالكره و الخيانة..أو كليهما.. "أ...