لحظات من الماضي

1K 33 15
                                    

إستغرقت اليوم في النوم..فقد كنت تعبا جدا..أخذت أغير ملابسي التي عدت أرتديها لوحدي بكل سهولة..غسلت أسناني ثم قمت بتسريح شعري..حملت بابي في حضني وهو مازال نائما..داعبت فروه للحظة و أنا أفكر في ما سأفعله اليوم..فقد بقيت أفكر الليل بأكمله حتى غلبني النوم..وضعته فوق سريري..ثم نزلت للأسفل حيث وجدت الفطور فوق المائدة.. فقد حضرت لي أمي فطيرة التفاح المفضلة عندي..قالت وهي تضع البيض فوق الصحون:((صباح الخير عزيزي)).
أجبتها و أنا أجلس في مكاني:((مرحبا أمي..رائحة الفطيرة شهية جدا)).
فقد جعلت لعابي يسيل..قالت و الإبتسامة على وجهها:((لقد حضرتها خصيصا لك..أعلم مدى حبك لها)).
إبتسمت بدوري وهي تقوم بتقطيعها إلى قطع متساوية..بعد ذلك أخذت أتناولها..و التفاح المعسل ينفجر داخل فمي مفعما بنكهة خاصة حلوة..بدأت أتناولها وهي ساخنة طرية..عندما إنتهيت من الفطور..أخذت أشرب كأس عصير الليمون..ليأتي أخي مايكي و أبي بدورهم لتناول الفطور...ألقيت التحية ثم بعدها ذهبت نحو أمي..قلت لها:((أمي سوف أذهب لزيارة عائلة بروك لي)).
قالت بصوت حزين:((حسنا..فقط تماسك حتى تعود)).
أومأت لها برأسي ثم طبعت قبلة على رأسها..عندما خرجت وجدت ديريك ينتظر في الخارج..فقد أصر أن يذهب معي عندما أخبرته البارحة..قال عندما وقفت أمامه:((هل أنت مستعد!!)).
أخذت أنظر للحظة منزله القابع أمام منزلي..تأملت بابهم الأزرق للحظة..ثم قلت:((نعم..هيا بنا)).

رن جرس المنزل..و وقفت بجانب ديريك و التوتر يحيط بي في كل مكان..أخذت أشابك أصابعي في ما بينها و أنا أنتظر شخصا ما ليفتح الباب...سمعت خطوات شخص يركض..ثم فتح الباب بكل عفوية..كانت فتاة صغيرة..جميلة ذات شعر أشقر..طويل و حريري..قالت بعيون مفتوحة إلى أخرها:((لوك!!)).
بدوري تعرفت عليها..وقلت بإبتسامة:((ليا)).
قامت بعناقي..قالت بسرور:((تفضل أمي موجودة أيضا)).
أمسكت بيدي و أخذتني إلى داخل المنزل..كانت حيوية و نشطة..و عيناها الخضروتان تقفزان فرحا..عند وصولنا إلى غرفة الجلوس إلتقيت بأخ أخر له..و أخبرتني ليا أنه باكي..ولد طويل...ذو ملامح جميلة..شعره كان بني اللون..قال وهو يمد يده ليصافحني:((مرحبا لوك)).
أجبت و أنا أمد له يدي بدوري:((مرحبا باكي)).
قالت ليا وقد أحضرت الأخرين..:((هذه بيكي..)).
نعم إنها توأم باكي..نفس الملامح..نفس الطول..و نفس لون الشعر..أتممت:((وهذا هو بوب..)).
إبتسمت للحظة عندما رأيته..كما فعل ديريك بنفسه..فقد كان ضخما كروي الشكل..أشقر الشعر..و قصير مقارنة بأخوته..قال بخجل:((مرحبا)).
أجبته:((مرحبا بوب)).
قالت ليا:((أخي دانيال عاد إلى فرنسا أتمنى لو رأيته هو الأخر..)).
أجبتها:((لابأس)).
بعدها جلسنا نتحدث قليلا و نتناول البسكويت الذي قدمه لنا بوب بمشقة..بعد لحظات جائت السيدة نوكلمان..والدة بروك لي..إمرأة أنيقة و جميلة جدا..ذات شعر أشقر و عيون خضراء..ليا بالغة تقف أمامي..قامت بعناقي بشدة..وقالت عندما تركتني:((أنا مسرورة جدا أنك عدت إلى طبيعتك)).
أجبتها:((أنا أيضا..)).
أحسست بقليل من الخوف قبل أن أقول لها:((لقد جئت كي..)).
قاطعتني:((لترى صورة لبروك لي)).
أومأت لها برأسي إيجابا..أمسكت بيدي و قالت و الدموع تتجمع في عينيها:((لقد كنت شخصا طيبا جدا..أشكرك كثيرا لجعل حياة إبني أفضل في أوقاته الأخيرة..فمن كان يظن أنه سيعود إلى طبيعته يوما ما..فعندما فقد صديقه لم يعد الولد الذي أعرفه..فقط يبقى وحيدا في غرفته يبكي دون توقف..لايحدث أحدا..و لايهتم بأحد..لكن عندما أخبرني أنه تعرف على شاب جديد..عندما رأيت الإبتسامة على وجهه..سررت كثيرا..لقد كنت الضوء الذي أنار طريقه من جديد..شكرا لك..)).
لم أستطع تحمل الأمر..لا أستطيع رؤيتها تبكي أمامي..وقفت و أنا أمسك بها::((هل يمكنني رؤيته الأن)).
مسحت دموعها و قالت بإبتسامة:((حسنا..هيا..)).
صعدنا إلى غرفته..التي صارت فارغة..فقط سريره و بعض من الصور له وهو صغير..تحركت والدته نحو خزانته الصغيرة..فتحتها و بدأت تبحث للحظة..لتحمل في يدها صورته..أخذت تتأملها للحظة..ثم طبعت قبلة عليها..لتعطيني إياها بعد ذلك..أخذت أنظر إلى الصورة و أنا أحاول تذكر الأوقات القليلة التي أمضينها معا..كان يبتسم في الصورة سعيد جدا..عينان خضروان..شعر أشقر مثل أخته الصغرى..إبتسمت للحظة..فقد علمت أخيرا السبب الذي يجعله يرتدي قبعة ضخمة مثلما أخبرتني مولي سابقا..فشعره كثيف جدا..و رطب في الأن ذاته..عندما مددت الصورة لسيدة نوكلمن..قالت وهي تزيل يديها من أمامي:((لا إنها لك..كصورة تذكارية له..)).
أجبتها:((شكرا..سأحتفظ بها جيدا)).
أخذنا ننزل للأسفل..حيث قالت السيدة نوكلمن:((هل تريدون تناول العشاء معنا الليلة..)).
أجبتها بتعب:((أسف سيدتي..مرتا أخرى..مازلت تعبا قليلا)).
أومأت لنا برأسها..عانقتها و ودعت البقية..قالت ليا قبل أن أذهب:((إنك شخص طيب لوك..هذا ما كان بروك لي يقوله لي دائما..)).
أحسست بنوع من السرور لسماع هذا..أعطيتها قبلة على جبينها قبل أن تغلق الباب..تحركت بضع خطوات ثم توقفت..بدأت أسترجع أنفاسي..و أحاول منع نفسي من الإنهيار من جديد..قال ديريك وهو يمسك بي:((هل أنت بخير؟؟)).
قلت له و أنا أنظر إليه:((أنا سعيد جدا أنني لم أرهم قبل رحيلهم..فقد كان الألم سيكون أكثر مما أشعر به الأن..)).
صمت ديريك ولم يجب..قلت له و أنا أسترجع قوتي:((فلنذهب لوضع بعض الزهور الجديدة لهم..أرجوك)).
أجاب دون تأخير:((حسنا..مثلما تريد)).

وصلنا أخيرا إلى المقبرة..حيث سنزور قبري بروك لي و ميرتيل..أخذنا معنا بعض باقات الزهور عندما كنا في الطريق..كان قبر بروك لي هو الأول..وقفنا أنا وديريك نتأمله للحظة..وضعت باقة الزهور عليها..و فكرت للحظة ثم أخرجت صورته..نظرت إليها..ثم قلت قبل أن أضعها بجانب باقة الزهور:((ستبقى صورتك دائما في قلبي)).
ثم نظرت إلى ديريك وقلت له:((فلنذهب هيا)).
وجدت مكانها و أخذت أتذكر الأوقات التي أمضيتها معها..أخذت صورتها أيضا..فلم أعد أريد الإحتفاظ بها..وضعتها رفقة باقة الورود..وقلت لديريك و الدموع ساخنة على وجنتاي:((أتمنى أن يكون كل مامررت به إلى حد الأن..مجرد لحظات من الماضي..أريد أن أبدأ من جديد..)).
أجابني وهو يضع يده فوق كتفي:((إذن أنا هنا بجانبك..و الجميع أيضا..و أنا على يقين أن هذا ما كان بروك لي و ميرتيل أن تقوم به)).
أومأت له برأسي إيجابا..و أنا أشعر بنوع من الراحة..رجعنا بعدها و التعب صار أكثر من السابق..قلت لديريك عندما وصلنا إلى المنزل:((فلنجتمع غدا جميعا في مقهى المدينة..حسنا)).
أجاب:((لك ذلك)).
بعدها دخلت إلى المنزل..و أنا على إستعداد لبدأ حياة جديدة..

أعمىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن