الفصل الأول

14K 374 62
                                    


الجميع يكتبون عن الألم

لكن الألم الحقيقي لا يحكى

.

.

وقفت امرأة أمام صورة موأطرة، قد ابيض شعرها بعدد سنونها التي حيتها على هذه الأرض، مع ذلك ظلت محتفظة بجمال ملامحها وروحها. اخذت تنظر إلى صورة رجل يرتدي ثوب القضاة الذي ارتداه بعد أن أقسم ان يحفظ الأمانه وأن يقضي بالعدل والحق كما يراه ويرضاه ضميره حتى ولو على ذاته. ساح الدمع من عيني المرأة وهي تفكر بمن غاب عنهم بجسده لكن لم يغب عنهم بروحه وأنفاسه الندية. تنهدت وحاولت أن تجفف دموعها لكنها لم تستطع من كان يعلم أننا عندما نفقد عزيزاً يستوطن السواد كل شي حولنا حتى يصل إلى أرواحنا. أعجب كيف أن حزننا لا يصبغ الكون كما فعل بأرواحنا. كيف للشمس أن تشرق في موعدها وأن تظل الحركة دائبة في الشوارع والمذياع يبث كالعادة أغاني الفرح ونشرة الأخبار على شاشة التلفاز التي تنقل لنا كل كوارث العالم، سوى كارثتنا العظمى!



***


جلس رجل بمجلس وسط منزله المتواضع. كان المجلس يضم ابنائه السته وزوجته التي وقع بحبها من نظرة واحدة ليختارها تكون رفيقة دربه وأم أطفاله وذلك ما حدث. اخذ يجول بنظره بين أسرته التي كانت وقتها أسرة بسيطة سعيده وهذا مكافأة من الله على صلاح نيته هو وزوجته ودعائهما بصلاح أبنائهم فرزقهما ذلك. كان الرجل يتميز بشعره ابيض وبشرته البيضاء التي لوحتها شمس الظهيرة. امتلئ وجهه بالتجاعيد رغم ذلك ظلت ملامحه محتفظة بلمحة من وسامة كان يملكها يوماً. كان صاحب وجه البشوش وحازم بنفس الوقت كل من عرفه عرف عنه وعن أبنائه الصلاح والتقى. وصل شاب بالكاد بلغ السادسة والعشرين مؤخراً. من يراه كأنه يرى أخيه الأكبر بشبابه فهو يملك ذات الملامح وبياض البشرة ووسامة أخيه. نظر عبد الغفور إلى حمزة آخر الواصلين وبدا عليه الانزعاج كونه فوت وجبة الغداء رغم أنه لم يصرح بذلك، لكن ذلك لم يفت على حمزة الذي سار نحو والديهما وقبل يد ورأس والديه ثم توجه نحو أخيه عبد الغفور، وقبل رأسه ويده هو الآخر، ثم اتجه لزوجة أخيه مليكة وقبل يدها ورأسها ثم جلس غير بعيد عنها.


" هل صليت الظهر؟؟". سأل أخيه عبدالغفور وعيناه ترمقان حمزة بنظرة فهم مغزاها.


ابتسم حمزة بوجه اخيه وقال وهو يحرك حبات سبحته :" بالطبع يا أبا محمد صليته في طريقي إلى هنا "


نظر إليه والدهما وقال بصوت ضعيف كضعف جسده الذي بلغ من العمر عتيا والذى كان ظاهر عليه الغضب :" اسمع يا حمزة حالك هذا لا يرضيني ولا يرضي أخيك نحن غاضبين منك لتكاسلك عن صلاة الفجر وعن سهرك الطويل بالخارج "


ليعقد حمزة حاجبيه ويقول متعحباً:" لكنني أصلي الفجر دوما يا أبي.. "


ثم وجه الحديث لأخيه عبد الغفور: "بل أنا لا أترك فرضا لا أديه يا أخي "

غيم أسود .. وبدايات شتاء ( مكتملة )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن