الفصل الأول
****
رب هجر يكون من خوف هجر
وفراق يكون من خوف فراق
سيف الدولة الحمداني
***
جلس حسام بمقعده خلف القضبان مكبل اليدين ، رفع عينيه واخذ يجول بنظره بالمكان ، فهذه محاكمته الأخيرة والتي سينطق بها الحكم ، ربما تكون هذه المرة الأخيرة التي يرى فيها هذا المكان فتنهد أثناء نظره لمن يتوافدون ليأخذوا أماكنهم هم أيضاً .
وجد أنه هنالك الكثير ممن ينظرون إليه فابتسم لأفراد عائلته فقد بدأ عليهم الحزن والهم لمصيره المجهول ، فأراد أن يهون الأمر عليهم بالتظاهر أنه أقوى مما سيحدث له لهذا لا داعي لأن يقلقون عليه هكذا ، ليتذكر أحلامه التي كان يتمنى أن يلحق بوالده فيها وعلى ما يبدوا أنه سيكون أول من سيذهب للقاء والدهم .
جال بنظره بعيداً عن عائلته لتقع عينيه على الذين حضروا شامتين به فابتسم لهم ابتسامة جعلته يرى غيظهم بأعينهم ووجيههم ، لينظر بعد ذلك لأعدائه فاتسعت ابتسامته وكأنه انتصر عليهم وكسب المحاكمة فوجد أن ذلك أحرقهم بشدة .
أما الحقيقة المرة أنه كان يتمزق من داخله وهو يفكر بحال أطفاله ووالدته وملك ، أغمض عينيه وانزل رأسه نحو قيوده مقاوماً لدموعه
( آآآه يا ملاكي .. )تذكر صرخاتها المتألمة وهي تنظر اليه غارقة بدمائها ، أما هو كان مكبل اليدين يتلقى ركلات كانت عظامه تسحق تحتها ، لكن لم يكن ألمها كألم انسحاق قلبه وهو يسمع صرخاتها ولا مغيث لها ، كانت ليلة كارثية انتهى فيها كل شيء ، بعد ذلك هدئ كل ما حوله بدأت الأصوات تختفي من حوله حتى غاب عن وعيه .
( آآه يا ملاكي .. ليت القاضي يأتي ليحكم بحكمه وينهي فرقتنا هذه .. فأنا متعب وبحاجة لكِ .. لقد انهكت قوايا يا ملاكي )
اعتصر عينيه من شدة الألم لكنه لم يذرف دمعة واحدة ليبدوا صامداً قوياً أمامهم فليس هو من يحني رقبته ويبكي ، وقف الجميع عند دخول القاضي للقاعة ليقف هو الآخر بمساعدة الحارس الذي يقف بجواره ، ثم جلس لتبدأ محاكمته حينها.
ابتسم حينها رغماً عنه أثناء استماعه لسرد ما حدث ساخراً من تلاعبهم بالحقائق ، ظل يستمع لهم ليفاجئ الجميع وهو يضحك وكأن هنالك ما يضحك ، نظر الجميع اليه بلا استثناء بين مغتاظاً وغاضباً وحزيناً .
أنت تقرأ
غيم أسود .. وبدايات شتاء ( مكتملة )
Romanceتأليف الأخوات كهرمان ذات ليلة والغيوم سوداء والشتاء ينذر بزحفه نحو المدينة .. هنالك صرخات مزقة ذاك السكون لكن لم يكن هنالك مغيث لهن أمام جبروت الانتقام وقسوته لذنباً لم يقترفنه ... ليلة مظلمة وثقيلة بظلالها مرت على ثلاثتهن قلبت حياتهن رأسا على عقب...