المكان : حي الجزارين
الزمان : صيف 2017كما يُقال الطيور تكبر لتغادر العشّ... ربما تنطبق تلك النظيرة على البشر أيضًا. لكنها أبدًا لا تمت لعائلة "الجزار" بصلة
حيث أنهم كبروا جميعًا، لكنهم لا يزالوا هنا ببيت العائلة.. اليوم هو الجمعة.. و كحال كل جمعة دون أن يتم إستدعاء نفرًا واحدًا... من تلقاء أنفسهم يجتمعون كلهم.. رجالًا و نساءً و أطفالًا بعد أداء الصلاة،
حول مائدة الفطور الشعبية المعدَّة و العامرة بكافة أنواع المأكولات على مختلف الأذواق، فكلٌ قد أدلى بما يشتهيه لسيدة البيت الثانية و المسؤولة عن كل شيء هنا.. "هانم" إبنة النظير القاطن بمنطقةٍ مجاورة لا تبعد كثيرًا، و أيضًا الزوجة الأولى لكبير "الجزارين".. "سالم الجزار" شخصيًا
الكل يجلس في هدوء.. ينظرون إلى الطعام باشتهاءٍ.. لكن لا أحد يجرؤ على لمس أيّ شيء قبل مجيئ كبيرهم ...
فلم يمر وقت كثير إلا و ظهر أخيرًا.. في مشهد مهيب يلج"سالم" عبر بوابة مرتفعة مزدوجة... كان قد بدل جلبابه الأبيض ليرتدي عباءته السوداء ذات النسيج الحريري اللامع
لقد أتم الثامنة و الخمسون منذ أشهر قليلة.. لكنه و للدهشة لا يبدو عليه سنه أبدًا... لا زال قوي البنية.. شامخًا كجبلٍ... حتى الشيب لم يغزو إلى منابت رأسه الأمامية فقط.. رغم أنه يتاجر بالسموم، و الأعمال القذرة كلها كانت بالسنة له ميدانًا يلعب فيه بمفرده و يحكمه منذ زمنٍ طول.. كان الحفاظ على صحته البدنية و العقلية بالمقام الأول لديه.. ليس هو فقط... بل كان قانونًا قد سنَّه و طبقه على جميع أفراد عائلته
أذعنوا جميعًا خاضعين لمقولته الشهيرة التي تنص بالحرف "إحنا نسفَّر الناس كلها.. بس مانسفرش !" ...
تأهب الجميع للقيام له إحترامًا، لكنه أبقاهم بمجالسهم بإشارة من يده.. بينما يده الأخرى تمسك بسمبحةٍ و فمه يتحرك بالابتهالات الصامتة
جلس بمكانه متربعًا على رأس المائدة الأرضية، اضطر الآخرون للإنتظار لحظاتٍ إضافية... ثم أخيرًا رفع "سالم" رأسه و مرر نظراته على وجوه عائلته
شقيقه الأوسط "إمام" و أسرته المكوّنة من شابًا و فتاة حاضرين.. شقيقه "عبد الله" الذي يليه بالعمر حاضر هو و زوجته فقط.. إذ لعلة فيه قد حرما من نعمة البنين، لكنهما ظلا متمسكان ببعضهما رغم ذلك، و حتى اليوم لا يراهما أحد إلا متحابين مخلصين لبعضهما بعض
في صفٍ مقابل.. جلست أسرة "سالم" كتفًا بكتف، زوجته إلى جواره تمامًا، و أولادهم الثلاثة متراصين أمامهما، ذكرين و فتاة صغيرة
و بالرغم من أنه لاحظ هذا منذ جلوسه.. لكنه إنتظر حتى تأكد، و بعد مرور الوقت الذي يسمح للأخير بالحلول أمامه... لم يحدث ذلك، فإذا به يرفع صوته ذي النبرات الصلبة قائلًا :
أنت تقرأ
وقبل أن تبصر عيناكِ
Romanceلستُ برجلٍ يُعاني من داء الكآبة.. لستُ أناني و لا سوداوي.. بل أنا في الحقيقة يا عزيزتي شيطانٌ تائب تراجع عندما لم يجد فيك مأخذا و أقبل عندما أبى في غيرك تقربًا