كان يرتعش خوفًا، فضلًا عن درجة الحرارة الآخذة بالإنخفاض منذ بداية المساء الشتوي المكفهّر... كان أيضًا في قمة الحرج و الخزي من ذاته بالمقام الأولعندما شعر بإلتصاق سرواله بلحمه و إكتشف بأنه قد تبوّل لا إراديًا، و هذا كله بسببه هو... هو لا غيره
جلاده الذي يقف على مقربةٍ منه أمامه طاولة خشبية مهترئة أكل الدهر عليها و شرب.. كان يفترش فوقها بساطًا جلديًا تتراص به مجموعة مختلفة من الأسلحة البيضاء الخاصة تحديدًا بأعمال المذابح و الجزارة ...
كان لا يزال مكبلًا و مكممًا، لولا النشيج الذي إنبعث من صدره معبرًا عن رعبه من مصيره الضبابي.. ما كان "رزق" لينتبه إليه بالوقت الحالي... لكنه أولاه إهتمامه الآن و هو يستدير نحوه ممسكًا بسكينٍ ضخمٍ حاد النصل
تلاقت أعينهما هلى الفور بنفس اللحظة، عينيّ "عزام" المذعورتين و عينيّ "رزق" المخيفتين.. و على عكس نظرات الشر التي صوّبها تجاهه
إبتسم "رزق" و قال و هو يلوّح بالسكين بينما أضواء الصهريج الموحش تنعكس على وجهه مضفية عليه طابعًا إجراميًا :
-معلش. أنا عارف إنك زهقت. بس لا يصح إلا الصحيح.. لازم أسن العدة كويس. عشان الضحية ماتتعذبش.. دي أصول الشغلانة ...
إزدادت حالة "عزام" سوءً مع سماعه لذلك و طفرت الدموع من عينيه.. ليستطرد "رزق" مساهمًا أكثر بترهيبه و هو يمرر أنامله بحرصٍ فوق النصل اللامع الحامٍ :
-ماتستغربش من كلمة شغلانة. ماتنساش إن إسم عيلتنا الجزار. و لمعلوماتك قصيرة المدى.. ده مش مجرد إسم إتسمى بيه جدي الكبير. أبويا زمان حكالي القصة. جدي الجزار الكبير يوم ولادته ستي إللي هي أمه كانت مرى شديدة أوي و قوية.. المفروض إنها حامل و تعبانة زي كل الستات لازم تقعد في بيتها لحد ما العيّل يوصل بالسلامة. لكن هي. هي كانت غير كل الستات.. طول فترة حملها مافوتتش يوم منغير شغل. مش شغل بيت بس لأ.. عيلتنا زماااااان أوووي.. كان لهم شغلانة واحدة مايعرفوش غيرها. الجزارة. و كانت ستي دي ماسكة الشغل مع الرجالة كأنها نفر منهم.. تصوّر الطلق جالها و هي باركة على عجل و بتدبحه بإيديها.. في اللحظة دي بالذات نزل جدي و هي و لا حست بيه إلا لما إللي حواليها قالولها. مسكت إبنها بإيديها الغرقانة دم.. و هي إللي سمته الجزار... بعدين كبر. و بقى جزار بجد. و أسس حي الجزارين و الباقي إنت عارفه أكيد !
و إلتفت ثانيةً متفقدًا بقية المجموعة و هو يضيف بلهجةٍ فاترة :
-المهم بقى إن العدة إللي إنت شايفها دي زي تراث كده.. ورث يعني. بياخده كبير العيلة أبًا عن جد. بيتعمل بيه إيه بقى ؟
أقولك.. زمان بردو و أن صغير. أبويا كان بياخدني معاه مشاوير كتير. شغل و غيره و كل حاجة.. و في مرة جيت معاه هنا في المكان إللي إحنا واقفين ده. كان جايب معاه العدة دي. و كان في راجل مربط مكانك بالظبط. و زيك بالظبط كمان.. إللي عرفته ساعتها إنه كان حرامي. كان بيخنصر من البضايع بتاعتنا و يروح يبعها لحسابه. بس طبعًا إنت عارف شغل الجزارين معروف و مافيش قشاية تتباع في منطقة ألا بعلمنا. المهم أبويا عرف إنه بيسرق ف جابه على هنا و قرر يعاقبه.. عاقبه إزاي بقى ؟!
أنت تقرأ
وقبل أن تبصر عيناكِ
Romanceلستُ برجلٍ يُعاني من داء الكآبة.. لستُ أناني و لا سوداوي.. بل أنا في الحقيقة يا عزيزتي شيطانٌ تائب تراجع عندما لم يجد فيك مأخذا و أقبل عندما أبى في غيرك تقربًا