_ حليف ! _

14.1K 776 46
                                    

مضى يغسل يديه جيدًا بالماء و الصابون أمام عينيّ إبنته اللامعتين ببقايا دموعها، راقبت بقلبٍ واجف كيف أن دماء أخيها التي لطخت يدي أبيها راحت تختفي منهما شيئًا فشيء متسربة مع دفقات المياه الدافئة

كانت لا تزال مأخوذة، ترهب والدها بعض الشيء.. فاسترعت إنتباهه فورًا حين صدرت عنها شهقة من جراء البكاء الذي أقلعت عنه بصعوبةٍ تحت إلحاحٍ منه

ما لبث "سالم" أن أغلق صنبور المياه و سحب منشفة مجففًا بها يديه و هو يقول متنهدًا :

-من آمن العقاب. أساء الأدب.. ده إللي إحنا إتعلمناه لما كنا لسا عيال يا سلمى. و ده عرفنا من الأزل. إنتي عارفة طبعًا إن عيلتنا قديمة جدًا. جدك الجزار الكبير. ده ماكنش لقبه.. هو كان إسمه كده. و هو بردو إللي عمل حي الجزارين بتاعنا ده. لو كان عايش و أنا لو كنت مكان أخوكي مصطفى. كان هايعمل فيا نفس إالي عملته فيه

و ترك المنشفة جانبًا و أخذها إلى الخارج محيطًا كتفيها بذراعه ...

-عمري ما شوفتك عملت كده في حد يا بابا ! .. قالتها "سلمى" بلهجةٍ متأثرة و هي تسير في قدم أبيها

اصطحبها "سالم" حتى غرفة المعيشة، جلس فوق مقعده الضخم المخصوص، قربها منه و أجلسها فوق قدمه مطوقًا خصرها بذراعيه.. ثم قال بلطفٍ و هو يمسح بكفه على شعرها الحريري :

-أنا عمري ما افتريت على حد يا سلمى. طبيعي ماتشوفنيش بعمل كده في العادة.. لكن ده مش معناه إنه مابيحصلش أوقات.. في ناس مجرد الكلام مايجبش معاهم أي نتيجة. لازم يشوفوا تصرفات و أفعال تخوفهم. عشان محدش يتجرأ و يتطاول على الكبار. إللي هما إحنا طبعًا.. أخوكي حط من كرامتنا كلنا قصاد الناس. و لو ماكنش إتعاقب هيبتنا كانت هاتسقط. و بالتالي سيطرتنا على الناس و قوتنا كلنا كانت هاتبقى في الأرض ...

نظرت له غير مستوعبة لكل هذا، فابتسم لها ببساطةٍ و حنى رأسه قليلًا ليقبلها على خدها متمتمًا بحنانٍ :

-جايز ماتفهميش كلامي كله دلوقتي. بس انا متأكد مع الأيام هاتستوعبي.. سلمى أبوكي مش قليل. لازم تفهمي كويس إحنا مين. إحنا مش مجرد عيلة زي الناس.. و حبايبنا أقل من اعدائنا. في قوانين بتحكمنا ماينفعش نخرج عنها. لو خرجنا العقد يفرط و كل شيء ينتهي في لحظة !

و صمت هنيهة، ثم قال رابتًا على كتفها :

-بكرة تكبري و تفهمي قصدي كويس.. و بكرة ده مش بعيد يا حبيبة أبوكي. إنتي ما شاء الله بقيتي عروسة زي القمر

-لأ !!! .. هتفت "سلمى" محتجة بنفس اللحظة و صارت كأنما روحٌ أخرى تلبستها

عقد "سالم" حاجبيه مرددًا :

-لأ إيه يا سلمى ؟!

سلمى بجدية : لأ مش عايزة أبقى عروسة يا بابا. مش عايزة أبدًا.. أبدًا !

وقبل أن تبصر عيناكِحيث تعيش القصص. اكتشف الآن