إنطلق في طريق العودة، بعد أن فتح هاتفه وجد ما توقعه، عشرات من مكالمات و رسائل لا تحصى جميعها مرسلة من رقم والده.. آخرهم رسالة صوتية هي فقط التي قام بفتحها
ليسمع صوت أبيه شديد اللهجة في عبارةٍ وجيزة :
"تعالالي حالًا. و رب الكعبة لو ما جيتلي إنهاردة يا رزق ما ليك خاطر عندي. و إنت فاهم قصدي كويس أوي !"
ابتسم بتهكمٍ و هو يغلق الهاتف و يعيده إلى مكانه ثانيةً، كان يعلم على وجه الدقة أين سيجده، بل كان يراهن نفسه، و لو أن بامكانه الوصول إلى المنزل في طرفة عينٍ لفعلها
لكنه إلتزم الصبر حتى وصل في الأخير، فلم يتوجه إلى الأعلى حيث شقة أبيه، إنما مضى رأسًا إلى شقة جدته
المكان المفضل لـ"سالم" عندما يجد ضرورة لتوبيخ إبنه أو تأديبه، لا بد أن تتواجد "دلال" لكي تخفف ما وسعها من حدة النقاشات بينهما ...
-أهلًا يا باشا ! .. هكذا صاح "سالم" فور ظهور إبنه عند عتبة الباب
أمره بحدة : خش و أقفل الباب وراك ..
بنظرة متفحصة سريعة شاهد "رزق" أبيه يجلس في كرسي الصالون الرئيسي بجوار جدته المستقرة فوق الكرسي المتحرك، و أيضًا.. كان هناك "علي"... كان يجلس على مقربة من عمه مطرق الرأس كبكرٍ خجول
إرتفع رأسه مرةً واحدة ليبعث بنظرة أسف لإبن عمه.. ثم عاد و أطرق من جديد ...
-إن شالله جمع الخير ! .. قالها "رزق" بفتورٍ و هو يلج للداخل مغلقًا باب الشقة خلفه بركلة قدم
اقترب من مجلسهم بالقدر الكافي و أردف و هو يمرر نظاريه على وجوههم جيئة و ذهابًا :
-و لو إن التعبيرات هنا مش مريحة.. بس مانظنش سوء بردو
-صحيح إللي أبوك بيقوله ده يا رزق ؟؟؟
ألقت "دلال" هذا السؤال بنزقٍ يدعم الغضب الجلي على ملامح وجهها المجعّدة ...
نظر لها "رزق" و قال متظاهرًا بالبلاهة :
-و هو أبويا قال إيه بالظبط يا نينا ؟!
إرتفع صوت "سالم" الآن بتقريعٍ قاس :
-ماتستعبطش يالا. رد عدل.. أنا لحد دلوقتي ماسك نفسي بالعافية !!!
واصل "رزق" نفس الاسلوب و هو يرد :
-عشان أرد عدل لازم أفهم السؤال يا معلم سالم.. تقدر تحدد سؤالك عشان أجاوبك ببساطة. صح و لا إيه ؟
لم يتمالك "سالم" نفسه أكثر من ذلك و هب واقفًا على قدميه، فانتفخت عباءته من حوله لوهلةٍ، قبل أن يتحرك مهرولًا تجاه إبنه و يقف ضده مباشرةً ...
-إنت إتجوزت بت الشوارع دي يا رزق ؟؟؟ .. استوضحه "سالم" بصوتٍ كالفحيح
شعر "رزق" و كأن نظرات أبيه القوية تكاد تثقب عينيه كالرصاص، لكنه لم يغيّر شيئًا في الهيئة اللامبالية التي بدا عليها و هو يقول بمنتهى البرود :
أنت تقرأ
وقبل أن تبصر عيناكِ
Romanceلستُ برجلٍ يُعاني من داء الكآبة.. لستُ أناني و لا سوداوي.. بل أنا في الحقيقة يا عزيزتي شيطانٌ تائب تراجع عندما لم يجد فيك مأخذا و أقبل عندما أبى في غيرك تقربًا