_ كنتِ هنا ! _ "2"

14.7K 878 77
                                    

المكالمة المقتضبة التي تم استدعاؤه بها أغارت قلقًا عظيمًا بصدره، علاوةً على أن صوت الأخير لم يبدو على ما يرام البتّة، شعر "علي" بالسوء في الحال و سار على الوصفة السهلة التي أملاها عليه إبن عمه

ليصل في غضون دقائق معدودات عند شقة عمه، المحراب المحرّم ...

كان الباب مفتوحًا بطبيعة الحال، فولج "علي" مناديًا و هو يوّزع بصره المتوجس عبر المساحة المظلمة :

-يا رزق... إنت فين يا رزق.. ررررررزق !

لمح من مكانه بصيصٌ من النور ينبعث عبر فتحة باب غرفة النوم بصدر الشقة ...

أسرع "علي" إلى هناك من فوره، و في طريقه لفحت وجهه ذراتٍ من الغبار طبعت أكسبته تعبيرًا عابسًا سرعان ما تبدد بلحظة، عندما صار داخل الغرفة

بالبداية جعلته الصدمة يبدو كصنمٍ أصم، حين شاهد على ضوء الغرفة الخافت إبن عمه و قد جلس القرفصاء مغطيًا نصف وجهه بذراعه، بحيث بقيت عيناه الملآى بالدموع تحدقان بالكفن المهترئ أمامه و الذي برزت منه بقايا رفات آدمية و عظامٍ و خصل شعر شقراء !!!!

-إيه ده يا رزق !!! .. تمتم "علي" و قد إنفكت عقدة لسانه بصعوبةٍ

دقق نظراته المصدومة بالكفن أكثر و هو يردد من جديد :

-يا نهار إسود ..
جتة مين دي.. رد عليا... إوعى تقول إنها !!!!

و صمت رافعًا نظراته إليه، لتتشابك أعينهما الآن، بدون حاجة لجواب "رزق".. صمته أكد شكوك "علي" الذي نزلت على مقصلة الصدمة هذه المرة لتقضي على قسمًا كبيرًا من براءته الطفولية التي احتفظ بكل ما أوتي من إرادة

لم يستطع نطقًا و لم يقوى على الإتيان بأيّ حركة بعد ذلك ...

فقام "رزق" بحركة مفاجئة واقفًا على قدميه، و بمنتهى الهدوء و السكينة.. تحدث و كأنه رجلًا آلى :

-جبت العربية ؟

______________

بمعاونة مجموعة من رجال الحي الأشدّاء، تم نقل السيدة الأم.. "دلال" من بيتها إلى المشفى التخصصي التي أودعت بها زوجة إبنها و المفضلة الغالية على قلبها... "هانم"

لم تمكث هادئة أبدًا حتى أقالوها بسيارة مخصوصة و صعدت بالكرسي المتحرك خاصتها إلى غرفة "هانم" ...

كان "سالم" أول من رآها حين برزت عند مقدمة الرةاق الطويل و قد كان يقف قبالة أولاده و شقيقه "عبد الله".. مضى صوبها فورًا و هو يهتف بعتابٍ :

-كده بردو ياما !
نفذتي إللي في راسك و جيتي. قولتلك كلها سواد الليل و راجعين.. و بعدين خلاص الفجر وجب

واصل الشاب القوي دفعها بالكرسي تجاه سيده، بينما ترد "دلال" بقلقٍ متزايد :

-مقدرش أقعد على بعضي كده قولتلك يا سالم. دي هانم.. مش أي حد. هي فين الغالية ؟؟!!!

وقبل أن تبصر عيناكِحيث تعيش القصص. اكتشف الآن