تلك الرائحة الغالية ...
العزيزة على قلبه و خاطره، لا ينساها أبدًا، في عمق ذاكرته موجودة كما توجد هي بملامحها و عبقها المميّز الذي يحفظه كخطوط كفيه منذ طفولته
النهار المعتدل الساطع بحي "سان ستيفانو".. صباح منعش بروائح مختلطة... عطر أمه.. تبغ أبيه.. و وجبة الفطور الأساسية المؤلفة من الخبز الطازج المخصوص الذي لا يخرج بمذاق أكثر روعة إلا من يديّ والدته الجميلة فقط... الشاي الأخضر بالقرنفل خاصتها.. قهوة والده.. و الحليب بالكاكاو.. مشروبه هو المفضل دائمًا
كانت العادة أن يستيقظ كل يوم بين أحضان أمه حتى لو لم يغفو إلى جوارها، لم تدعه أبدًا أن يرى شيئًا في بداية يومه سوى وجهها، و أن يشم رائحتها و تحتضنه و تقبله
كان يحب هذا بشدة، أن تحتضنه و تغرقه بالقبلات و كأنها لتأكله إن جاز ذلك، لطالما استشعر حبها الكبير له بهذه الطريقة و غيرها
و بدوره كان يعبر لها عن حبه بأن كان طفلًا مهذبًا للغاية، مطيعٌ و متعاون.. فبينما يكون أبيه جالسًا بالتراث المطل على البحر مباشرةً يقرأ صحيفته بانتظار الفطور.. يكون هو برفقة أمه بالمطبخ يلبي لها متطلباتها البسيطة ...
-بتعمل إيه يا رزق ؟!
تفاجأ بسماع صوتها من خلفه، إنتفض بقوة و غمره الارتباك، إذ لم يتوقع أن تلاحظه الآن.. فلم يمر عليه منفذًا خطته السرية سوى ثلاث دقائق بالضبط
لمح الصغير "رزق" طيف والدته يقترب من الوراء، فصاح يجمدها محلها :
-لأ يا مامي.. إوعي تبصي دلوقتي بليزززز !!!
عبست "كاميليا" و قد أذعنت لطلبه و لم تقترب أكثر، لكنها سألته باهتمامٍ :
-طيب قولي بتعمل إيه.. لو في حاجة باظت منك و خايف إني أشوفها Don't Worry حبيبي. فداك أي حاجة ...
رد الصغير بتصميمٍ :
-مافيش حاجة باظت. خليكي بس مكانك ثواني.. ثواني !
احترمت أمه رغبته و بقيت بانتظار ما يعدَّه سرًا ..
و رغم أنه استغرق أكثر من ثوانٍ، لكنها صبرت.. إلى أن إستدار ناحيتها حاملًا بيديه الصغيرتين طبقًا كبير فوقه قطعة كبيرة من الخبز الفرنساوي و قد زيّنه بحبات الكرز الأحمر مشكلًا كلمة Happy Birthday Mommy ...
-surpriiiiiiise !!!
صرخ "رزق" بحماسة كبيرة و هو يمد يديه لهاتدلى فكها من المفاجأة، و سرعان ما أطلقت ضحكة مدهوشة و هي تقترب منه أكثر قائلة :
-إيه إللي عملته ده يا رزق !!
تلاشت ابتسامة الصغير تدريجيًا و هو يقول بخيبةٍ :
-ماعجبكيش ! أنا عارف انها مش كيك. بس أنا كنت عاوز أعملك مفاجأة قبل بابي !
رقت نظراتها كثيرًا و هي تنحني صوبه ممسدة على شعره الأشقر، و تقول بصوتها الحنون :
أنت تقرأ
وقبل أن تبصر عيناكِ
Romanceلستُ برجلٍ يُعاني من داء الكآبة.. لستُ أناني و لا سوداوي.. بل أنا في الحقيقة يا عزيزتي شيطانٌ تائب تراجع عندما لم يجد فيك مأخذا و أقبل عندما أبى في غيرك تقربًا