_ في مكانٍ ما ! _

19.2K 876 54
                                    

أظهرت "ليلة ناصر الجزار" بعض اللطف تجاه المرأة العجوز التي هي جدتها بالحقيقة ...

نالت عطفها منذ أول وهلة، إذ فور رؤيتها إياها رأت عيناها تفيض بالدمع و ما لبثت أن أخبرتها بأنه كما لو أن والدها هو الذي يمثل أمامها.. و أخذتها بين أحضانها و لم تتركها حتى هذه اللحظة

عند دخول "سالم" و رصده للمشهد المؤثر الذي جمع أمه بإبنة أخيه المرحوم... إبتسم بتعاطفٍ لم يحاول مداراته و ولج رافعًا صوته بحيادية لطيفة :

-شكلي جيت في وقت مش مناسب !

إلتفتت "ليلة" نحو مصدر الصوت أولًا، ما أدى إلى إنفصالها عن جدتها بتلك الحركة الفجائية.. كان "سالم"  يمشي ممسكًا بمسبحته بكامل هيبته

لا يزال محتفظًا بابتسامته الهادئة، بينما تتطلع أمه الهرمة إليه هاتفة بصوت ينم عن بكاء :

-تعالى يا سالم.. تعالى يابني. شوفت ليلة بنت أخوك ناصر. شوفت كبرت و بقت عروسة إزاي ؟!

هز "سالم" رأسه مؤيدًا كلمات أمه، جلس في كرسي مقابل لهما، و أطلق نظراته تجاه إبنة أخيه.. الآن سمح لنفسه أن يتأملها مليًا و يراها بوضوح... فما من أحدٌ هنا سوى أمه و هي فقط

مركزه بين رعاياه و شخصيته المعقدة تحتم عليه ألا ينبهر بالأشياء أو الأشخاص، و ألا يعطي قيمة أكثر لمن هم أدنى منه مقامًا أو عمرًا حتى لو كانوا مقربين

أما في هذه اللحظة... لا عيون تراه و لا يخشى أن تهتز صورته.. فقد بقى يرنو إلى الفتاة الجميلة بوداعة يضفي عليها حنانٍ متكلّف

إنها لم ترث أيّ شيء من ملامح أبيها.. لكنها بالطبع كانت تشبه والدتها إلى حدٍ كبير... تلك العينان البنيتان الواسعتين، الوجه المستدير، القسمات الصغيرة الرقيقة، لون الشعر الأسود الفاحم و البشرة الخمرية.. كله كان كما لو أنها إنعكاس لصورة أمها في شبابها و لو أنها هي أكثر جاذبية و جمالًا

لكن النظرة.. تلك النظرة الحادة العدوانية بالفطرة.. بالتأكيد هي الشيء الوحيد الذي ورثته عن أبيها ...

-عروسة و زي القمر كمان ! .. قالها "سالم" بعد صمتٍ

فتلاشت النظرة الحذرة التي خصّته بها "ليلة" و تبسمت له على استحياءٍ، ليكمل بنفس الاسلوب و لكن بنبرة أكثر حزمًا :

-بس شغل الخواجات ده ماينفعش عندنا هنا ياما.. لازم ليلة تعرف كده. حي الجزارين مش زي الكومباوند الهاي كلاس إللي كانت عايشة فيه مع خالها. خالها عزام الوديدي مش زي عمها سالم الجزار و لا عمره هايكون زيه !

و من جديد تختفي إبتسامة الفتاة و تنظر إلى عمها بوجومٍ، ثم يخرج صوتها أخيرًا فتقول بلهجة أقرب إلى الحدة :

-مش فاهمة يا عمي.. قصدك إيه يعني بالكلام ده ؟!!!

سالم بجدية : إسمعي يا ليلة. ماكنتش أحب ابدأ أول حوار ليا معاكي بالطريقة دي.. في نفس الوقت مراعي إن عمرك ما شوفتيني و لا حتى عتبتي البيت ده. و ده كله حصل لأني راجل أد كلمتي. لما وعدت أمك إنك هاتمشي معاها بعد موت أبوكي و هاتفضلي عايشة معاها عند خالك بشرط ماتتجوزش و لا تنقلك لأي مكان إلا بأذني.. سيبتك تعيشي حياتك معاها بالشكل إللي يعجبها و عمري ما حاولت أظهر في الصورة لا أنا و لا حد من اعمامك. و سيبتها تربيكي على هواها. بس خلاص.. هي راحت عند إللي خلقها. و إنتي دلوقتي رجعتيلي ...

وقبل أن تبصر عيناكِحيث تعيش القصص. اكتشف الآن