لم يكن أيّ شيء مستبعدًا في هذه اللحظة، لم يكن قد وضع أيّ حدود لتلك المواجهة المرتقبة، بل كان ينتظرها بشدة.. و كأنه يتوق لكسر صندوق الادخار ذاك الذي اختزن بداخله كل خيباته و مرارته و أحزانه
كانت هذه هي الوسيلة الوحيدة كي ما يتحرر من الحالة البائسة التي سجن بها منذ بضعة أيام، الآن سيفعلها.. و ربما بعدها يعود كما كان ...
-خشي جوا يا نسمة !
نطق "رزق" آمرًا بثباتٍ يُحسد عليه، كان يشير لزوجته ناحية غرفة بأقصى الرواق الشمالي، بينما كانت الأخيرة تبكي و تكاد لا ترى بسبب الدموع الساخنة التي تغشى عينيها بالكامل
لكنها رأته و هو يرشدها، فبدون جدال حملت حقيبتها و شقت طريقها للداخل... ليلتفت "رزق" الآن نحو والده و نظرة الاحدي السافر تعتلي وجهه الوسيم
قابل نظرات "سالم" النضّاحة بالغضب ببرودٍ تام و هو يقول :
-هي دي حمدلله على السلامة ؟
لما فتحت الموبايل لاقيت اتصالات كتير منك.. ده أنا قلت وحشتك يعني !يتمالك "سالم" أعصابه بصعوبةٍ، كان يرتجف قليلًا و قبضتاه مطبقة، غمغم بينما تلوح بعينيه مشاعر العنف و الحنق :
-بص يابني. بمنتهى الهدوء.. لو الكلام إللي قولته دلوقتي ده حقيقي ف انت مافيش قدامك غير اختيارين. يا تتعامل انت مع المصيبة دي و تصلحها بنفسك. يا تسيبني أنا أصلحها بمعرفتي
يعقد "رزق" ساعديه أمام صدره و يرفع رأسه مستوضحًا :
-يسلام !
طيب بغض النظر عن المصيبة إللي انت شايفها. متخيل مثلًا انت و لا أنا ممكن نصلحها إزاي ؟!جاوبه "سالم" دون أن يرف له جفن :
-يا تاخدها من سكات و بكرامتها تنزل العيّل ده عند دكتور يا إما أنا هانزله بطريقتي !!!
وقع صمت ثقيل بينهما لم يحيد كلاهما ينظرات الغضب العنيف عن بعضهما، ثم قال "رزق" سائلًا بلهجة هادئة :
-هاتنزله بطريقتك.. عظيم !
إللي هي إزاي بقى ؟!!قدم له أبيه جوابًا آخر بنفس الاسلوب المجرد من الرحمة و الانسانية :
-ماعنديش في الحتة أكتر من النسوان إللي شغلتهم كده أساسًا.. أو عشان ننجز و يكون أسهل أكتر أخلص عليها خالص. و حالًا !
و أزاح طرف عباءته مظهرًا غمد سلاحه الناري ...
و هنا ينظر "رزق" إلى أبيه نظرة وحشية صِرف، تعلو حشرجة الهيجان في صدره للحظات، أخذ يضغط و يحك أضراسه بقوةٍ، و بعد صمتٍ سحيق... اقترب من "سالم" خطوتين، و مد يده لامسًا سلاحه بطرف أنامله و هو ينظر إليه بعينين ضيقتين
ثم قال بصوتٍ خالٍ من أيّ شعور :
-في اللحظة إللي بتكلم فيها عن حتة مني
بتكشف عن سلاحك ؟
عاوز تقتل إبـنــي ؟؟؟؟؟؟
أنت تقرأ
وقبل أن تبصر عيناكِ
Roman d'amourلستُ برجلٍ يُعاني من داء الكآبة.. لستُ أناني و لا سوداوي.. بل أنا في الحقيقة يا عزيزتي شيطانٌ تائب تراجع عندما لم يجد فيك مأخذا و أقبل عندما أبى في غيرك تقربًا