_ هكذا ظننت ! _

17.2K 915 101
                                    

كان ينتظره هنا، في تلك الزاوية المظلمة، وسط الرطوبة و الروائح الكريهة.. هنا حيث تصطف مجموعة من حاويات القمامة المعدنية !!!

المكان معتم و بارد، و لكن دون حتى أن يأبه لكثافة الرائحة البشعة، وقف ثابتًا بمحاذاة الجدار نصف المهدوم، لقد مر خمس دقائق حتى الآن، و هو يعلم يقينًا بأن الأخير لن يتأخر أكثر من ذلك الوقت.. إن هي إلا لحظات و سيظهر... ما من سبيلٍ آخر يسلكه ليصل إلى الوجهة التي كلفه أبيه أن يذهب إليها عاجلًا

حتى لو تأخر، فهو يدخر له صبرًا يفوق التخيّلات، صبر دام عشرون عامًا، لن يتزحزح من مكانه، إنه باقٍ، ليتصيّد فريسته الجديدة ....

بغتةً بينما يقف ساكنًا و كأنه قطعة من الظلام، سمع وقع خطوات خفيّ عمه و لمح ظله يقترب من الخلف

بالمباغتة نفسها، و في أقل من ثانية و قبل أن يتخذ العم خطوة واحدة أمامه، قبض على ياقة جلبابه و جرّه ملصقًا إياه بلحظة إلى جدار الحيّز المقفر و يُدعى بـ"الخرابة" ...

يطلق العم سبّة غاضبة حين أن أُخذ بهذا الشكل، تلقائيًا تسللت يده إلى غمد سلاحه بالمخبأ الخفي تحت عباءته، كان يظن بأن الذي أوقفه ما هو إلا وغدٌ من أوغاد المنطقة أو المناطق المجاورة.. و بدون تردد كان قد سحب السلاح ليصوّبه نحو مهاجمه و يطلق عليه في الحال

لكنه جمد كليًا، عندما تبيّن فجأة من خلال ضوء الليل الشحيح وجه إبن أخيه المشدود و عيناه البرّاقتين ...

-رزق ! .. هتف "إمام" مدهوشًا

-في إيه يابني مالك ؟
واقف هنا ليه و ماسكني كده ليه ؟ حصل إيه ألا تكون متعارك !!
ماتنطق يابنــي !!!!

غير مصغٍ لتساؤلات عمه، أمال "رزق" رأسه للجانب قليلًا و هو يقول بوداعة مريبة :

-خير يا عمي.. على فين العزم كده الساعة 2 الصبح. راجع المستشفى و لا رايح حتة تانية ؟

رفع "إمام" أحد حاجبيه مرددًا :

-إنت يابني مش معانا في الدنيا و لا إيه. ده انت كنت واقف ساعة إللي حصل.. مالك في إيه ؟

ثم رمقه بنظرة شك قائلًا :

-إوعك تكون شارب حاجة يا رزق. أبوك لو عرف حاجة زي دي حسابك معاه هايكون شديد أوي.. إوعى يابني إنت عارف هو مابيتهاونش في الحاجات دي بالذات ...

لكن ما من رد أيضًا

ليضيق "إمام" ذرعًا به و يطلق زفرة مختنقة، ثم يحاول دفعه عنه مغمغمًا :

-إسمع يا رزق إنت ترجع البيت طوالي على شقة ستك دلال. إنزل تحت الدش كده و فوق.. إياك أبوك لما يرجع يشوفك كد آ اا ...

لم يستطع إكمالها، حيث قبل أن يفلت منه تمامًا، أمسكه "رزق" من تلابيبه بقبضةٍ فولاذية و بقوة غير متوقعة ألصقه بالجدار أكثر من ذي قبل، و بمعصم يده الأخرى يضغط على رقبته بطريقة جعلت أنفاسه تختنق

وقبل أن تبصر عيناكِحيث تعيش القصص. اكتشف الآن