آمين الثاني والثمانون بعد المئة

567 90 50
                                    

أنا...

إني أحاول منذ دهورٍ كتابة شيء جيّد، يعبّر عني.
مللت الكتابة عن الأحباء، مللت الكتابة عن المسرحيات والأشعار، مللت الكتابة عن الحزن والوحدة، أشعر أن بداخلي كلمات مغلّفة، جديدة، كلماتٌ لم يسعفني جيب لغتي بتجربتها، كلماتٌ تهرب إلى دهاليز عقلي حيثَ أتوقف عن التفكير حين أقترب منها.

أكتب غالبا في دورات المياه، المكاتب، فوق السرير أو تحت الأريكة، أكتب فارغةً، لا مشاعر تمسّني وقتها، وإن صح القول، فإني أخلق نصوصًا جميلة لأني أحب تخليد الجمال.

أنسج الحزن حتى وأنا أشعر بالسعادة، صارت عادة، هواية مفضلة، لا أكتب في ذات اللحظة التي يلمسني فيها الأسى، إني أكتب عن تراكمات ومشاعر ماتت منذ سنوات، زهوري التي أضعها على قبورهم هي نصوص، كي يتم تقديرهم ولو مرةً واحدة، وأن يتذكّرهم شخص واحد، حتى لو كنتُ المعنيّ بذلك الشخص.

أحدّق بصفحةٍ بيضاء، ربما مر على هذا التحديق فصولٌ، ربما إن أزحت الستائر عن النافذة سأرى الثلج يغطّي الشوارع ببياضٍ مقيت. حين أنام، وحين أستيقظ، إني لا أعطي اهتماما للساعة، أعلم أنها معطلة، ولا أعلم إن كان هذا بسبب البطارية أم مشاهد حياتي كانت قاسية كفاية لجعلها تموت هلعا. هل نحن في ديسمبر؟ إني أمقت شهر ديسمبر، أمقته، ولو استطعت، كنت لأحذفه من شهور السنة كما أحذف ملاحظاتي الحمقاء من هاتفي.

لا أتذكر متى كانت آخر مرة كتبت فيها لأني أريد الكتابة، إني أعامل الكتابة على أنها واجب، ولأنها الوحيدة التي تشعرني أني انسان ينجز في حياته، وبدونها، فسأكون مجرد سيّدة تعيسة تمشي على خطة حياة رتيبة نحو الموت. غرفتي دائما في فوضى، وعقلي يقلّدها كثيرا، لكن حين يمسّ الموضوع حياتي، فهي مستقيمةٌ لدرجة تقتلني.

نصوصي حزينة وواقعية، وذلك نتيجةَ كوني أتعرى أمام أوراقي من كل تلك الطبقات الثقيلة التي تغطّي جسدي، أُظهِر مفاتني وبشاعتي، دون قطرة خوف من أن يحكم عليّ أحدهم. لا أخشى كوني المجرم هنا أو الضحية، المستغل أو الذي تم استغلاله، هذه الأحرف لا تغطّي قطعةً من جسدي، إنها تكشف وتكشف؛ فهذا المكان الوحيد الذي يتقبّلني بكل تفاصيلي، ويحتضنني.

الأجزاء التي يخفيها البشر رهبةً من نزول مرتبتهم أمام أحبتهم، أكتبها وأُزيّنها، أُخيّط منها آلاف الثياب الجميلة وأرصّعها بالنجوم، حتّى القباحة ساحرة في كنيسة خيباتي.

حيث تُتلَى الخيبةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن