طرق متشابكة..

44 4 5
                                    

حضر المأذون..كل شيء تم في هدوء..
الصباح ينذر بالقدوم..أمير و بيان يعبران الحدود..
سديم هانئة في النوم..أو لعلها فقط تظهر كذلك..
زين ذهب إلى غرفته..يعاود النظر إلى حاسوبه..هو يعرف أن يوسف سمح لهم بهذا الاختراق..لم يترك أثرا له..كل الآثار و الفيديوهات هي عن سديم و لا شيء غيرها..
كل شيء أمامه منذ البداية..منذ إصابة بيان و حتى قبل بضعة أيام في تلك الغرفة..رآها..سمعها..كيف تحدثه..و أنها ما ملت من تمرده..
لا تنفك تخبره أنه ولد صالح و قاضي يستحق منصبه..
لو  أنها تستيقظ الآن فترى حاله..تراه و هو يجر قيود الخيبة..تراه و قد اتخذ قرارا لأول مرة دون أن يفكر به مليا و لا أن يحسب عواقبه..
أي الخيارات كانت له؟! في تلك الغرفة أمام دجلة ما شعر نفسه سيدا بل مجرد عبد..
عبد لا يملك سوى الانصياع لإرادة الأحرار..

ذهب إليها مجددا..لعلها تجيبه..هي تحمل روحا كروح والده داخلها..لربما هي تعرف في أي شيء أذنب؟! لعلها تواسيه..تطمئنه أن زواجه من دجلة هو الخيار الصحيح..هو الكفارة لخطاياه..لكونه ظن نفسه يعرف و هو جاهل..
خال نفسه مبصرا و هو في الحقيقة أعمى كما قالت دجلة..

يريد أن يحدثها..كأن ما قطع منه ليس أوتارا و عضلات نتيجة إصابته بل أحباله الصوتية..يشعر بأن الصدأ يأكله..يأكل كل شيء فيه..
الفناء يتفشى داخله..كالجراد إذا حل وباء على أرض خضراء فيحيلها صحراء جرداء و يخفي أي دليل عن حياة سكنتها يوما..

صوتها في الفيديوهات كان السلوى الوحيدة..بينما لا تمتلك هي ما يكفي من القوة لتستيقظ..لتحدثه..لتداوي جرحه من جديد..فعلى الأقل سيستعيض بما تركت له من ذاكرة..يعيش معها خاطرة هي جزء حاضر فيها روحا و جسدا و هو كعادته معها المغترب..

-" ربما هذا وداعنا يا سديم.."

كل عين من عينيه ك كسفة من الشمس..متقدتان حزنا و غضبا..دموعا و حدادا..

-" لا شيء يسير كما هو مخطط له..لا شيء إطلاقا يا زهرة والدي.."

زفر زفرة طويلة..و استصعب أن يسحب الهواء إلى رئتيه من جديد..

-" سمعت مكالمتك أنت و يوسف..كم تصرين على كونك امرأة عادية..و أن مشاعره تجاهك ليست سوى شيء مؤقت..شيء يزول إما بزوالك أم امتلاكك..
هل حقا تصدقين ذلك؟! تصدقين أنه ما يقع في الروح و الجراح له من زوال؟!
لا أعرف من صادفت في حياتك فجعلوك تفكرين على هذا الأساس..
و لكن تلك ليست حقيقة..
اقتلاعك من داخلي يحتاج معجزة..سأصلي لتحدث..
و حتى ذلك الحين..حتى أكون قادرا على توديعك داخلي..
سأظل منتظرا..لا أعرف كيف سيحدث أو هل سيحدث أم لا؟!
و لكن إن تحررت يوما من آثامي و ما حملت من الخطايا في الغفلة..
إن جاء ذلك اليوم و لا يزال أثر هذا الجرح ممزوجا بوصبي و جنوني قائما داخلي..إذا سآتي وفاء بوعدي مهما كان الثمن..
فقبل زواجي ب دجلة وعدتك أولا..
حياتنا ستكون معقدة..معقدة جدا و لا أستطيع أن أعدك بأنها ستكون سهلة..
لأنني حتى تحدث المعجزة لا أستطيع الاختفاء من حياتك و لا أقبل ذهابك من حياتي..يا زهرة والدي..إن أردت التبرعم في الجحيم فلا داعي للتواني و لا الخجل..في الجحيم آتيكِ..و إن قلتِ أنا الجحيم أجعلهم أنا حطبا لنيرانك..
لا ناقة لي و لا جمل في أمر بيان..بيان مفروغ منه..لا أنا و لا ألف رجل يستطيعون زحزحته من داخلك..
و لكن إن كانت الأبوة لطفلك فأنا أيضا أسجل اسمي معهم..آخذ نصيبي و أغلب يوسف و أحصل على نصيبه..
و إن كانت الرغبة في الاستناد، في اللجوء أو الحماية فأريد أن أهزم أمير..
و إن كان ارتباطا بالألم فعائلتك هي من أرغب في قهرها..
و لو أنني أعرف أنه خطأ فادح و لكن تنمو بداخلي رغبة عاصية مثلك في أن أحيد عن العدالة إن كان ذلك لأجلك..
و أظنني قد فعلت..يوم سمحت لنفسي بنطق اسمك قد فعلت..
أريد الاجتهاد لأجلك..ليكن سلطاني على الأرض لك..ليكن قدومك إلي بعد الله إن ضاقت بك هذه الأرض..
تعالِ إليّ و لو يوما واحدا..تعالِ إليّ مطالبة و لو بشيء واحد..
إن أتيتِ أعدك..سأعطيكِ كل شيء..
يوما ما يا سديم..يوما ما تعالِ إلي.."

ظلالحيث تعيش القصص. اكتشف الآن