كتاب الحب..

81 6 11
                                    

خرج بيان صبيحة ذلك اليوم قبل أن يستيقظ الجميع..
يسير بخطى ثابتة تجاه المطعم الذي لطالما وجد فيه السلام..
إلى الزوجين اللذان يعرفهما مثالا وحيدا على حب لا يقتل أصحابه بل يغير حياتهم إلى الأفضل..

وصل ليحتفوا به كالعادة..و تركوه قليلا بينما يجهدون باقي الطاولات استعدادا لما ينتظرهم من يوم شاق..
إلا أن حالته كانت غريبة..فأشار الزوج لزوجته أن تغلق باب المطعم و سحب كرسيا ليجلس بجوار بيان بينما ذهب الزوجة لتعد لهم بعضا من الشاي..

-"بني..أعتذر على التدخل و لكن منذ أصبحت تتردد علينا و أنا أعتبرك كابن لي..أنت تعلم أولادي كلهم في الغربة و بعد الله و زوجتي فإن زبائن هذا المحل هم اخوتي و أبنائي و ونسي..
هل هناك خطب ما؟! هل تشاجرت مع زوجتك؟! "

لمعت أعين بيان على ذكر زوجته و انتفض من حالة السكون الأشبه بالموت لينظر مباشرة في عيني الرجل و يسأله..

-"عماه هل تعرف زوجتي؟! "

سأل بيان باهتمام و ببراءة أدهشت الرجل..

-" يبدو أن مصابك جلل..قص علي ما حدث منذ البداية.."

تنهد بيان و أخبر العم بكل ما حدث و أتت الزوجة لتنضم للحديث..

-" كل ما نمتلكه هي صورة التقطانها لكما..لا يظهر سوى نصف وجهها في الصورة..كنتما ترقصان في سعادة و يحمر وجهها حياء عندما تنتبه أننا نراقبكما.."

كانت الزوجة هي أول من تعلق و قد أعطت الصورة لبيان الذي أخذ يتفحصها بعمق..
بينما اندمج العم في سماع التسجيلات و قراءة المذكرة..

-" عماه..عقلي مشوش جدا..أريد نصيحة..أنا ضائع..عقلي فارغ..و لكن صدري..أشعر بثقل ما في صدري..أشعر بأن يدها على رأسي..تلمس جراحي كلها و توقظني إذ أنام..أخشى أن يصيبني الجنون..
لست أعلم أي شيء و لا أعرف ماذا أصدق و ماذا أكذب؟! "

شارك بيان مشاعره بصدق مع العم..و كأن المحنة التي يمر بها جعلته أكثر انفتاحا للتعبير عن مشاعره من ذي قبل..

-" هل تعرف لماذا يسبقك يوسف دائما بخطوة؟! "

سأل الرجل و هو ينظر لعيني بيان مباشرة و بادله بيان نظرة مستفسرة، مهتمة و قوية..

-" لأنه يعرف ماذا يريد من هذا الحب..الحب له رغبة جامحة..هو لا ينتظر في هذا الحب شيئا..لا عطاء و لا منعا..إنه كشخص يتضور جوعا و يموت عطشا منذ سنين و وجد أمامه وليمة غنية بكل ما كان يحلم به..
لذلك فإنه لا ينتظر الإذن و لا يأبه حتى بفكرة أنه سيموت مصابا بالتخمة أو مسمما إن كان ذلك الأكل فاسدا..إنه يحصل فقط على ما يريد..
شخص عقلاني مثله لم يعرف في حياته قط الحب وجد امرأة قادرة على أن تسخر منطقه فيصبح كل ما فيه يخدم رغبته في وجود تلك المرأة في محيطه..
زوجتك لم تكتب كثيرا و أنت لا تتذكر شيئا تقريبا و لكن من أحاديثنا السابقة عن يوسف و الآن مما كتبته زوجتك فهذا هو تفسيري الوحيد..
أنت تخسر ليس لأنك الأقل حيلة..بل لأنك الوحيد الذي لا يعرف كيف يتخطى حواجزه..
مثلا في هذا التسجيل..الفتاة تسكب من روحها إلى روحك..تتتحدث تتحدث و أنت صامت..لا يوجد تعليق..إنها تتواصل معك و بابك مغلق..
صحيح أنك تستمع من وراء هذا الباب و لكن هذا لا يكفي..
بينما يكسر يوسف الأبواب و يضعها خلف ألف حصن و حصار أنت لا تخرج من قيود روحك إليها..
حسنا هي ابنة عمه فهمنا..هي دماء عدوك..و لكنها تحبك..تعشقك..تهيم بك..
و دفعت الثمن..
إن كانت زوجتك حية - إن شاء الله تكون- فلن تستطيع انقاذها حتى تعوف أنت ماذا تريد من هذا الحب..ماذا تريد منها و ما شكل مستقبلك معها..
أتريد الحقيقة الآن لتحقق لها العدالة..يا بني العدالة يحققها القاضي و المحامي و الشرطي..إن كنت لا تريدها سوى لتركها وحيدة في العالم بعد أن تحاسب من تسببوا لها في الأذى فاتركها مع يوسف أفضل..
لأن بشرا كثر يحققون العدالة..و لكن فقط من يحبك لا يتركك وحيدا في الظلم كما في الحق..و في الأيام الصعبة كما في الأيام الحلوة.."

ظلالحيث تعيش القصص. اكتشف الآن