رصاصة الرحمة..

84 5 28
                                    

دوي رصاصة..بخارها يخرج من فوهة السلاح مرتاحا..مطمئنا بعد أن أبقى الثقل داخله إلى هدف غير مسمى..فالأهداف بالنسبة للرصاص واحدة..لا يهم من أصابت و لا كيف و لا متى..
المهم أن يرتاح السلاح و يتخفف من أثقاله فيعود إلى حافظته خفيف الروح و الجسد بغض النظر عن الضحايا و عن المهام أكانت مكللة بالنجاح أم لم تكن..

و مجددا شيء صغير بهذا الحجم يقلب الموازين كافة..رصاصة غرض مطلقها -المكنون في نفسه- الرحمة و ظاهرها العذاب..

ذلك الطريق إلى رائد لم يكتمل أبدًا..الرصاصة مستقرة في ساق يوسف..
و ليلى تتابع الأوضاع..ترى أشياء كالمعجزات..إن أخبروها يوما أن رجال هذه الأرض و سادتها سيحبون على هذه الشاكلة لسخرت من القائل و لاتهمته بالجنون..

أما الآن فهي مدركة أنها وحدها أصيبت بخفة العقل..وحدها خدعت في مظهرهم و تناست حقيقة ما تضمه صدورهم من عاطفة..عاطفة لا تشبه شيئا آخر..عاطفة تقارن بنفسها فقط فليس في قاموس العواطف شيء مثلها كي تتم هذه المقارنة..
و فرضا إن تمت..فلن تكون عادلة..فهذه المشاعر قد تخطت العدل إلى الرحمة..و عبرت جسور المنطق إلى أرض الروح..و تركت خلفها كل صراعات العالم فلا شيء ذي جدوى سوى الحفاظ حقا على ما يمتلكون..

إيران في لحظة قد أشهر سلاحه..أما زين..زين و انفعالاته تركت فاهها مفتوحا..غير آبهة بزوجها المتألم على الأرض..و لا تعير انتباها لنافورة الدماء الحارة المتدفقة من ساقه..

ترى زين إذ يصرخ..صراخا في حدته كالزئير..كأسد أصابوا زمرته فأمسى هو الجريح..
صوته يفوق دوي القنابل..ترى في عينيه أنينا لا يكفي عويله أن يشرحه و لا يصفه..تنظر إليه و قد سبقته يده إلى جرحه..إلى حيث يستشعر حضور سديم حتى في غيابها..كل ما في زين يحن إلى سديم..يحن إليها حنين الكهل إلى صباه و دياره الأولى..حنين الجندي إلى النوم على ركبتي أمه آمنا في منزله..حنينا كحنينه إلى والده!!

في عينيه سديم كبركان لا يقف أمام حميمه شيء..تزيل كل ما أمامها حتى الجليد في عينيه..تصهر باقي الوجود في داخله..
هذه اللحظة لم تدرك ليلى ذلك فقط بل أدرك زين هو الآخر إذ يقفون على الصراط بين الموت و الحياة أن سديم ما عادت فقط - بالنسبة له - حجابا ملطخا بالدم و لا قطعة ملابس على دمى العرض و لا حتى زهرة عاصية قد تذبل يوما و تأول إلى الموت و النسيان..
بل أصبحت كشجرة الصنوبر..ترمز للأبدية داخله..تتعمق في تربة روحه فلا يصبح في حضور جذورها محل لخرسانة من حديد..

يده على خصره حيث السلاح..يقف بوزنه كاملا على ساقيه غير آبه بجراحه..
عكازه الطبي قد عانق الأرض منذ زمن..و لكنه مشلول..
لا يستطيع أن يطلق الرصاص في حضور سديم..و لا يستطيع أن يقترب منها بينما هي في حصينة بين يدي بيان..

ظلالحيث تعيش القصص. اكتشف الآن