الفصل الرابع والخمسون
- ريان -
كل شيء تغير.
ظننت أن حياتي تغيرت عندما غادرنا حيدر، كنت مخطئا كثيرا، أصعب من مغادرة حيدر هي رؤية شهاب حاليا.
لا أدري لماذا لكنني أحس باختناق ورغبة في البكاء كلما كنت حوله، كأن قناعه البارد لا يكفي ليجعلني بائسا، شهاب شخص لم أرى مثله في حياتي، كل غموض حيدر لا يضاهي غموض شهاب.
أين يخبي خوفه؟
أين يخبي حزنه؟
اين يخبئ بؤسه؟
ليس له أي شخص الان، حتى ثلجة أبعدها عنه وكلنا نعلم أنه فعل ذلك لمصلحتها.
ثلجة مثلي، لدينا عائلة، أب وأم وأشقاء، لدينا عمل نشغل به أنفسنا، لكن شهاب؟ باع روحه للوطن.
-"لازالت دموعك تنزل" اتى صوت خلفي لأستدير وتلتقي عيناي بتلك العيون الحادة الخضراء.
-"لا أدري لماذا ولكنني لم أعد قادرا على السيطرة عليها" قلت صراحة واخذت منه المناديل الورقية التي مدها لي.
-"هل هو صديقك؟" قال وتقطب حاجباي.
-"أقصد شهاب، هل تعرفان بعضكما منذ مدة طويلة؟ كلما يأتي هنا تنزل دموعك بمجرد مغادرته" قال وتنهدت.
كأن حزن شهاب أرسل الي أنا، أحس بشكل غريب بكل حزنه الذي لا يظهره.
في الفترة الأخيرة، تخليت عن جانبي الاحمق الطفولي الذي يرغب بمناوشة شهاب والتشاجر معه، صراحة أحسست بخجل كبير عندما وجدت أنه نضج فجأة، شهاب صار رجلا وهذا الامر يخيفني.
-"ألن تتوقف دموعك؟" قال بتذمر واستدرت له.
-"أنا خائف" قلت بدون تفكير ورأيت عيناه تتسع.
-"هل أنت بخير؟ ما بك يا صاح؟ لم أرك هكذا من قبل" قال بقلق وهو يقترب مجددا مني.
-"أحس باقتراب فقداني لشخص اخر" قلت ورأيت كيف رمش بعدم استيعاب.
-"شهاب يتلاشى من أمامي كحبات الرمل التي كلما أحكمت قبضتك عليها تتسلل بين أصابعك وتختفي" قلت وأنا أتنهد بثقل.
جلس بجانبي بعدما جر كرسيه الخاص بمكتبه ونظر لي بهدوء.
-"أعلم بأننا لم نصر أصدقاء الا منذ مدة، لكنك تعلم مكانتك عندي" قال وابتسمت وأنا أمسح دموعي.
أنت تقرأ
وطن
Spirituellesعندما تترك كل شيء وراءك، وتبيع روحك لاغلى ما في الوجود، وتكرس حياتك له ومماتك فداء له، عندما تعرف اخيراً ان اهم شيء لم يكن شخصا أو عائلة أو مالا بل وطن تحميه ليحمي لك من ضحيت لأجلهم.