خرج كريس بعد حديث عذبٍ طويل ، وتناولوا العشاء سوية ، تتناسى فيوليت مشاكلها لبرهة ، ثم تعود إلى تذكرها فوراً كمن يتخبط بين النوم واليقظة ، حل المساء ، وبعد توديع كريس مضت فيوليت إلى غرفتها ، وأخرجت من صندوقها مجموعة كتبٍ قديمةٍ لها ، لأنها اشتاقت إليها ، وأخذتها نشوة غريبة ، شيء ما شدها نحوها فجأة ، وحالها كحال كل حبيس أفكار وخواطر ، تائهة .. في بحرِ الظلالة .. بحرٌ لا حد له ، لا يبدأ ولا ينتهي!.
-تذكرتُ بأني كنتُ أحب قصص التنانين... فهذه كلها رواياتٌ عنها .
قلبت وأخرجت الكتب ووضبتها صفاً على الطاولة التي وضع عليها الصندوق ، ثم وقعت ورقة قديمة من بين صفحات أحد الكتب ، كانت فيها سطور معدودة ، أخذتها وقرأتها وكان المضمون:
- " فتى أشقر ، يشبه الوحوش وهو مخيف ، أكرهه."
سمعت صوتاً غريباً جعلها تلتفت مرتعبة لكنها تمالكت نفسها وعادت إلى القراءة :
-"ولكن شقيقه صاحب الشعر الأسود صغير ولطيف مع أنه في عمري ."
سمعت صراخاً مدوياً ، تجاهلته وأردفت مكملة للقراءة:
-" وشقيقتهم رقيقة ولطيفة وأفضل من الفتى الوحش" ، لا أتذكر أني كتبت هذا ولكن...
ثم قاطعها تعالي صوتُ الصراخ ، فقالت:
- إخرس ! ، لقد إعتدتُ على هذه التصرفات فلم تعد تخيفني!.
ثم تابعت القراءة :
- "لكن أفضلهم كان ذلك الفتى الأبيض ، كانت إبتسامته لا تفارقه وكان لطيفاً جداً... "
وأحست بشيء يمسك بذراعيها ويضغط عليها بشدة ، ويحكم على قلبها ، عجزت عن التنفس ، جفلت ، إرتعبت إلتفتت مسرعة ، ولم تر شيئاً ولكن الشعور كان مستمراً ، خرجت راكضة ، وتوقف الإنقباض حالما إبتعدت ، وباتت تلتقط أنفاسها في الممر ، وقررت أن تتوقف عن القراءة بصوتٍ عالٍ ، إنتبه إليها الفرسان الذي يحرسون الممرات وطلبت بعض الماء ، وأتت روز وكايا وشعرن بالقلق عليها.
- أميرتي إرتاحي إنكِ ترهقين نفسكِ كثيراً هذه الأيام.
صرخت وقالت منتفضة:
- والله إني لن أعود الآن... أود أن أذهب للحديقة!!!.
- مالذي تريدين فعله.
شردت للحظات كي تبحث عن عذر ثم قالت:
- أحضري لي عدة الرسائل أود كتابة رسالة لصديقتي إيريس بيليال... لم أراسلها منذ دهر.
استغربت روز ولكنها أذعنت للأمر.
خرجت وجلست خارجاً ، كان عليها حقاً أن تراسل إيريس ، ولكنها كانت قد أدركت أمراً أكثر إلحاحاً الآن .
فقالت في حديثها مع نفسها:أين هو الماضي؟ ، حقاً أين ذهب؟ ، لطالما لاحظت أني لا أتذكر طفولتي ، ولاحظت أني فارغة أفتقد جزءاً مني ، ولاحظت أنه هناك فراغات كثيرة وأمور يتحاشى أهلي الحديث عنها ، ولكني كنت أظن بأنه مجرد شك ، ولكن لمَ تحدث مصيبة كلما حاولت أن أفهم ما يحيط بي أو أن أتذكر شيئاً ؟ ، أي نوعٍ من السجون الفكرية التي أعيش فيها؟.
لاحظت في النهاية أنها سجينة العدم ، ومجردة من أبسط ما يتمتع به الناس! ، الذكرى! ، لا أطلال تقف عليها ، فهي لا تتذكر منها شيئاً أساساً!.
جلست وأرادت أن تستهل بكتابة بعض الأسطر لصديقتها إيريس ، ولكن أفكارها تاهت منها ، وأحست بألم شديد في ذراعيها ، لم تعلم كيف حدث هذا لكنها توقعت انه ذاك الكيان ، لم تتمكن من الكتابة أو التحرك بهما بشكل صحيح ، فبقيت في مكانها ، وهي تحدج في الفراغ ، فكيف توقف الكابوس؟ ، ولمَ توقف الكابوس وظهر مخلوقٌ مجنون! ، وإلى متى سيغيب أليكسيس؟ ، استمر ألم ذراعيها ، ولم تقوى على مناداة أحد لبرهة ، فتجمدت للحظة على ذلك الوضع.
- أميرة ، إنها كارثة إحتمي وأنقذي نفسك منه!
حتى قاطعها صوتٌ غريب ..
YOU ARE READING
فِينا!.
Historical Fictionنصف الكوابيس تأتي من النفس ، إذن ماذا لو كانت كل تلك المشاكل فينا؟ ، ماذا لو كنا قد صنعنا وشكلنا مشاكل حياتنا بأنفسنا ، ونسينا ثم إنتبهنا لها لنكتشف أنها تقهرنا وتؤرقنا ، ونسينا أننا صانعوها؟.