سكبت الكأس على رأسه وإختلط الشراب بالشعر الأسود ونزل على وجهه فبدا كما لو أنه يدمي ، وألقت الكأس على الأرض ، وفي تلك القاعة الفسيحة المكتظة بالنبلاء ، سكت الجميع إثر سماع صوت الزجاج ، وتبسمت والغضب يغلي في دمها وتلك الملامح الطفولية اللطيفة بدت مخيفة لوهلة ، وقالت :
- زاغت يدي ، مثل ما زاغ لسانك .
و هو لم يستقبل الرجفة حتى إنقضت عليه يد اعتصرت كتفه بكل قوة ، وإلتفت ليرى شاباً أشقر الشعر عسليّ العينين ، يحدجه بغضب وبل يكاد يقتله ، كان ذلك الشاب هو وريث الدوقية الفارس كريس هيرنيم يدافع عن شقيقته الصغرى فيوليت هيرنيم ، قال كريس:
- أوه! ، أوه! ، لقد زاغت يدي! ... فقد رأيت حشرة.
تركه ، بعد أن حملق وهدده بنظراته ، وعادت فيوليت للتصرف بأسلوب طبيعي ، كما لو أن شيئاً لم يحدث ، خرجت رفقة أمها الدوقة ديانا وجلسن على كنبة في الشرفة الواسعة ، و وسألتها لها ديانا :
- ماذا حدث يا بُنيتي؟.
- قد قال لي بالحرف :" ابنة الدوق المدللة التي تعيق والدها" ، ثم استغربت منه وتجاهلته ، فاعتذر قائلاً أن لسانه قد زاغ ، وحاول إجباري على شرب كأس من المشروب و ألح .
- وثم؟.
- ثم حدث ما قد حدث! ، أمي لمَ رجال المملكة مقرفون هكذا؟! ، أكرههم جميعاً! ، كل هذا لأن من في عمري على وشك الزواج ، بالرغم أني في الثامنة عشر!.
كانت فيوليت تصرخ غاضبة ولكن بصوتٍ خافت ، وكان هذا الكلام البادي من مظهرها المسالم ، يبث الاستعجاب في نفس الدوقة وكانت تكتم ضحكتها ، ثم قالت:
- سيأتي الرجل الذي يجعلكِ تتراجعين عن كل ما تقولين!.
إنتفضت فيوليت غاضبة وقالت:
- كلا يا أمي! ، لن يأتي! ، إن هذا الكلام المنتشر بين الناس مضحكٌ جداً ومنافٍ للواقع!.
رفعت حاجبها الأيمن وقالت متعجبة باسمة:
- حقاً؟.
- نعم!.
- حسناً سنعلم يوماً ما!.
- اشتقت لإيريس ، يا ترى كيف حالها الآن.
- ركزي في نفسك قليلاً يا بُنيتي.
أميرة المكتبة الهادئة ، التي يضرب بها المثل بالجمال واللباقة والقوة ، لكن لم تكن فيوليت ضعيفة كانت تتمتع بتقدير كبير جداً لنفسها ، وكان السر وراء ذلك كم الكتب الهائل الذي قرأته ، فمنذ سنوات وجدت نفسها فارغة القلب والعقل ، وجدت أناساً يشبهونها يقولون أنهم "عائلتها" ولكن ما هي العائلة؟ ، شق ذلك على نفوسهم ، وبدا الألم عليهم ، وظلت لمدة تسأل:
- أنحن حقاً عائلة؟.- والله!.
ويقسم الدوق ديكس هيرنيم لها في ألم!.
وجدت الدنيا فارغة ، ولم تملأ ذلك الفراغ إلا بالقراءة ، ورأت الحق في العلوم الأساسية و الفلسفة ، حتى جعلت المكتبة باسمها ، و صار الدوق يوسعها لها و يزيد كتبها كل يوم. ونشأت ، ابنة دوقٍ لا تهاب أحداً ، و لا ترى إلا الحق ، و بل ترى أن عامة الناس ينشرون العبث و يسنونها قوانيناً وعادات ، و كانت تقصد هنا نظام الطبقية ، وتعترض تماماً على حالة النبلاء في هذا الزمن ، فهي مختلفة عن ما كانت عليه في البداية فالنبالة عندما نشأت كانت كوسام شرف للشخص الذي يتمتع بالتعليم والأخلاق القيمة ، ولكنهم الآن ليسوا هكذا أبداً! ، و بل ترى أن "النبالة الحديثة" _كما تسميها_ عبث و بذخ وأذى للناس ، وتكبر وتعالٍ ، وكان أهلها يستقبلون هذه الفكرة في حين أنهم نبلاء .
و لكن قهرها و حز في نفسها أنها ابنة نبلاء و تلتزم بتقاليدهم.
YOU ARE READING
فِينا!.
Ficción históricaنصف الكوابيس تأتي من النفس ، إذن ماذا لو كانت كل تلك المشاكل فينا؟ ، ماذا لو كنا قد صنعنا وشكلنا مشاكل حياتنا بأنفسنا ، ونسينا ثم إنتبهنا لها لنكتشف أنها تقهرنا وتؤرقنا ، ونسينا أننا صانعوها؟.