كان واقف فى منتصف المطار و صوت المضيفة يصدع فى الأرجاء قائلة بلباقة:
"على المسافرين على متن الطائرة المتوجهة لجمهورية مصر العربية التوجه للبوابة الخامسة".
ليمسك هو حقائبه و توجه للبوابة مانحًا الباسبور الخاص به للضابط، ليعطيه إياه مانحًا إياه الأذن بإحترام لإعتلاء الطائرة، ليجلس هو بهدوء فى مقاعد الدرجة الأولى التى كانت خالية من الناس، ليس لغلاء تذاكرها و لكن لأجله هو الذي ينفر من الإختلاط بأي أحد و كل أحد إلا إستثناءه اللطيف، الذي أرغمه على الصعود لتلك الرحلة خصيصًا لمقابلتها بعد أن نجحت خطته فى إخراجها من عرين أبيها مستغلًا طيش شقيقها.
ليشعر بأزيز بجيب بنطاله ليخرج هاتفه، ليرى تلك المكالمة، ليضع الهاتف على أذنه و قال بصوته الرخيم:
"ماذا فعلت؟".
ليسمع صوت تابعه يقول له بإحترام:
"كل شئ جاهز سيدي، و هويتك الجديدة جاهزة أيضًا، بمجرد وصول حضرتك بسلام، ستبدأ بمزاولة عملك كطبيب بمركز العلاج الطبيعي بهوية الطبيب أندرو إيمانويل".
كاد أن يرد عليه، ليجد صوت المضيفة تحدثه بلباقة:
"رجاءًا سيدي إغلق الهاتف، فهو غير مسموح به على متن الطائرة".
لينظر لها بهدوء و هو يغلق هاتفه و قال:
"حسنًا يا صغيرة، إن أردتِ لتلك الرحلة أن تمر بسلام و هدوء لكلينا عليكِ أن لا تأتي لهنا مرة أخرى، فهمتِ".
لتخرج هى خارجًا و هى تمتم بسخط على هذا المتكبر، أما هو فقام بإخراج صورتها من على هاتفه ليجلس يتأملها طوال ساعات الرحلة و على ثغره تتسع إبتسامة كلما إقتربت مسافة الطائرة من مقر الهبوط.
ليغلق عينيه و هو يحتفظ بصورتها و قال بحب يتغلغل بين ثنايا جسده:
"ها قد خطوت خطوتي الأولى تجاهك يا وردتي، لنرى كم سيستمر بعادك عني؟".
♡__________________________________________♡أما فى المنزل يجتمعون حول المائدة و نظراتهم تنبئ بوجود حرب باردة فى مكنونها، فكل أحد يحمل الآخر ذنب ما حدث من تفكك فى عمدان تلك العائلة القوية، أما هى فكانت تشعر بأن سهامًا موجهة نحوها و خصوصًا سهام يزن الذي يجلس كابحًا غضبه و كاتمًا غيظه بداخله لأجل شقيقه الأكبر.
يفكر إذا كان صاحب الشأن غير مبالي، لما يبالي هو؟!، و لكن بحق الله هو شقيقه، هو يراه يعاني بصمت، يعلم أنه بسن شخص مقبل على الزواج و تأسيس أسره و عائلة، و لكن تلك الندبة التى تأخذ مأخذة بارزًا من وجهه، هى من تعيق مشوار إرتباطه و إستقراره، و لكنه لا يعلم بأن أخيه يريدها هى دون سواها، لكن و على الرغم من أنه أوسطهم إلا أنه أقسم بأنه سيكون كوالدتهم التى تركتهم و رحلت فى أجواء مبهمة تزامنًا مع رحيل والده، و للحق هو لا يعبأ لهما بشئ فهو قد إكتفى بكل الدراما الموجودة بحياته، فهما اولًا و أخيرًا شخصان كبيران و راشدان، و لكن هل لشخص راشد أن يترك أطفاله خلفه و يذهب؟!.
أنت تقرأ
ندبات تظل للأبد (ترويض الماضي) الجزء الثاني من رواية أتلمس طيفك "مكتملة"
Romanceالحياة، و آه من تلك الحياة التى تعملك بطُرِقها القاسية مسببة لك جروح، و تتعدد تلك الجروح، منها التى تتعلم منها، و منها التى تُثْقِل معدنك، منها التى تُزين حياتك تذكرك بقوتك، منها التى تظهر واضحة على وجهك تذكرك بما مضى، منها من تدفنك أسفلها كاتمة على...