الفصل الواحد و العشرين: خطأ ينعاد مرتين!.

544 58 65
                                    

كان يتحرك فى بهو مبنى المخابرات المصرية بشموخ لم يقدر ذلك العكاز و ذلك الشيب الذي إحتل رأسه بضراوة على إنتزاعه منه، يتحرك بقوة و شموخ كالجبال التى لم تقدر العواصف على زعزعتها، بالرغم من المصائب و النكبات التى حلت عليه منذ أن بدأ حياته تكفي لتهشيمه، و أيضًا منذ أن خطى ابنه الوحيد عتبة ذلك المبنى كانت كافية لإماتته و دفنه، فهو خسر والده بسبب حقد عمه، خسر طفلته فى حرب لم تكن لأجلها يومًا أو طرفًا بها، خسر طفله و أضحى مريض شيزوفرينيا منذ أن تسلم تلك المهمة التى لم يزل شبحها بعد، بل كانت كرمال متحركة جرت معها بقية عائلته لها، و لكنه لن يرضخ مرة أخرى لنداء تلك المهمة بحجة أنه نداء الوطن فيكفيه ما خسره للآن.

دلف مكتب ابن عمه، و قال بدون مقدمات:

"محسن لحد إمتى المهمة الملعونة دي هتفضل، دي لو سحر أسود كان مفعولها خلص؟".

إعتدل محسن فى جلسته و قال بسخرية:

"و عليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا فريد أنا بخير الحمد لله، إتفضل إستريح".

ليجلس الآخر كابحًا غيظه بقوة و قال:

"إيه أخرك فى المهمة دي، مكفكش اللي حصل فى عيالي؟".

ليجيبه الآخر و قال بإستنكار لنبرته الهجومية:

"و إنت بتكلمني ليه، و كأن اللي حصل على هوايا و عاجبني!، بعدين أنا بعمل كدا علشان يعرفوا حقيقة اللي حصل ولا عاجبك لما هما كارهين أهاليهم".

ليجيبه فريد و هو يعلم تفكير محسن جيدًا:

"محسن متضحكش عليا و على نفسك، أنا عارف دماغك، إنت بتضغط عليهم بعيالهم، و أنا مش هستنى لما يرجعوا و أديلهم كفن العيال، دول لسه عيال، و لو  قلبك واكلك علشان يعرفوا الحقيقة ممكن تقولهم عادي، مش تفبرك قضية و تقولهم إنه هكر و هو لا هكر ولا نيلة".

ليقف فريد بحزم منهيًا هذا الجدال:

"قصر الكلام، إبعد عن العيال يا محسن، لأن مش هنا اللي تضغط بيهم على الكبار، كفاية اللي حصل ليزن، و اللي الكبار بيعملوه دا بمزاجهم يا محسن، الموضوع مبقاش ولا كان أصلًا أمن قومي، دا طار شخصي، و طار يعني دم، و كفاية دم لحد كدا، مش هقدر أستغنى عن حد تاني".

ليوقفه محسن و قال:

"يعني إنت مش عايز بلال يرجع؟!".

ليجيبه بجمود:

"و لو رجع أنا هخسر ثلاثة مقابل واحد، سيبه هناك مع مراته و خليني وسط الثلاثة و خليهم وسط بعض يا محسن، بلاش لعب فى الدفاتر القديمة، لأن صدقني بحر الدم عمره ما هيشبع هيفضل عايز تاني".

ليقول محسن بغضب من نظرته السلبية و المتشائمة:

"مش معنى فشل الكبار يبقى حتمية فشل العيال دي، فوق يا فريد و بلاش تشاؤم، كفاية خوف و جبن، الخوف دا خسرك كتير و لسه أهو هيخسرك، خوفك خلاك تخسر تالين، خوفك إنك تشوفها بتتألم من الكيماوي خلاك قتلتها بالبطئ، شوف إبنك المريض كان أشجع منك و سايبها تتألم علشان يشبع منها بعدين، و إذا كان على الحقيقة، فالحقيقة مش مستنية حد يظهرها أو يكتمها، الحقيقة ليها طرقها الخاصة علشان تظهر، و الحقيقة خلاص وصلت لماثيو و هتوصل كمان للباقي، و هى قدامك بس إنت أضعف من إنك تواجهها يا ابن التهامي".

ندبات تظل للأبد (ترويض الماضي) الجزء الثاني من رواية أتلمس طيفك "مكتملة"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن