كانت تجفف الأكواب التى أمامها بعدما إنتهى دوام العمل بالمطعم، أما هو فكان يرفع المقاعد فوق الطاولة ليبدأ عملية التنظيف، لتطالعه هو و قالت بصوت عالي حتى يصل لمسامعه:
"سيبهم يا راغب أنا هعملهم أنا كفاية تعبك النهاردة الزباين كانوا كتير".
ليجيبها هو و قال:
"يعني هما كانوا كتار عليا أنا و بس؟، ما طلباتهم أكيد كانت كتير عليكِ كمان، و الدنيا مش متكركبة قوي يعني".
لتنظر له ببسمة صغيرة ممتنة و ضربات قلبها تعلو و تعلو كثيرًا كلما وقعت نظراتها الهاربة على هيئته الرجولية و اللطيفة تلك، ليكون هو أول من أقحم نفسه لحياتها عنوة، عكس ما كانت تفعل منذ صغرها، تتذكر عندما كانت تقتحم تلك الجماعات المتكونة بغاية وجود شخص تتأقلم معه، يتعامل معها من مضمونها و ليس من حالتها المرضية، لتجد الرفض محيط بها من كل الجوانب كأطياف سوداء تكالبت على شخصيتها الضعيفة.
ليأتي هو بعد زمن طويل أرهقها و أرهق قلبها و أفنى محاولاتها، ليفعل العكس معها، واهبًا إياها شعور لم تجده مع باقي الناس، و هو أنها مرغوبة بها، شعور أن اليوم لا يكتمل إلا بطلتها البهية و ضحكتها التى تدلف على قلبه نسائم الربيع البديعة، و هى تشعر بعينيه ترغب التقرب منها أكثر و أكثر و أن تجعل تلك النسائم تحملها لأرض جديدة بديعة لا تعرف دلوفها إلا معها هى لتكون تلك الأرض مدينته الخاصة بوسيلته الخاصة و المتميزة أيضًا.
بعدما إنتهوا من العمل، وجدته يخلع مأزره و قال لها و هو يمد يده بطريقة راقية:
"فاضية نتمشى شوية؟".
لتبتسم هى بطريقة بديعة و رأسها تحركت ناحية الشمال برفض خارج عن إرادتها لتقول بعدها ببسمة حرج:
"فاضية و معنديش مانع".
ليحكم قبضته على يدها بقوة و هو يتفحص خجلها بهدوء يتفحص رد فعل حالتها و لم تطرأ عليها أي رد فعل آخر، فهى تتمتثل الشفاء بطريقة سريعة، ليعود قلبه للعمل و تزداد نبضاته من ملمس يدها الناعمة و اللطيفة بين يده، ليخرج معها للكورنيش و يعطيها عود من عيدان الذرة المشوية، ليجلس بجوارها أمام النيل و النسائم الليلية تداعب وجوههم بلطف، ليطالعها و قال بهدوء:
"تعرفي نفسي فى إيه؟".
لتنظر له بتساؤل، ليسترسل هو بنظرة لامعة و محبة:
"نفسي فيكِ".
لتنظر له بصدمة ممزوجة ببلاهة، ليكمل هو بمشاكسة:
"نفسي في شوية نسيم علشان حر الصيف دا مفرهدني".
لتبتسم هى بصدمة على مشاكسته، لتعلو ضحكاته على محياها، ليقول هو بعدها بغمزة:
"بس أنا لسه عند رغبتي يا نسيم، و هفضل طول عمري راغب فى نسيمك العليل، خليكِ فاكرة دا".
عادت من ذكريات الأمس على رنة هاتفها تعملها بوصولها رسالة، لتأخذ هاتفها و هى تتنهد بحب مربتة على قلبها عله يهدأ من خفقانه و عنفه بداخلها، لتفتح الرسالة التى كانت عبارة عن ڨيديو مصور للقاء زياد و راغب معًا و بعدها ڤيديو حفلة تكريم راغب لحصوله على الماجستير عن بحثه العلمي و الطبي حول متلازمة توريت.
أنت تقرأ
ندبات تظل للأبد (ترويض الماضي) الجزء الثاني من رواية أتلمس طيفك "مكتملة"
Romanceالحياة، و آه من تلك الحياة التى تعملك بطُرِقها القاسية مسببة لك جروح، و تتعدد تلك الجروح، منها التى تتعلم منها، و منها التى تُثْقِل معدنك، منها التى تُزين حياتك تذكرك بقوتك، منها التى تظهر واضحة على وجهك تذكرك بما مضى، منها من تدفنك أسفلها كاتمة على...