الفصل الثلاثين و الأخير: غزو نسائي بقيادة رجل واحد!

722 55 23
                                    

كانت تقف أمام تلك القبور التي تعلوها الرخام مزينة إياها مزخرف عليها أسماء أصحابها بطريقة بديعة إفتقرت لها حياتهم لينتهي بهم المطاف بكل بؤس لهذه المرحلة، ماريا سمير فؤاد ابنة عم زوجها و صديقتها المقربة، تشربت هذا الاسم لسنين و لم تقدر أي قوة أرضية على محوها من ذكرياتها تتذرف الدموع من مقلتيها محملة بذكرياتهم معًا لتتشربها الأرض لتجف أكثر بسبب ملوحة الدموع و أسى الذكريات، حادثة موتها و طريقتها و ملابستها لاتزال تنعاد، ممسكة تلك المرآة أخر هدية زفرت بها من رفيقتها الراحلة، قبل أن ترى روحها ترفرف بعيدًا عن جسدها المتهاوي على الأرض، تتذكر رحمة الله الذي خطف روحها قبل أن تلقي ذاتها، لتنزل للأرض ميتة، جثة ساكنة تتجرع بالدماء التي تفجرت بقهر عندما لامست الأرض الخشنة كما كانت كلمات الآخرين تهشم روحها الضعيفة.

تتذكر تلك الفتاة التي كانت تجلس معها يوم مهمة اخيها و ابناءها، كانت تطالع تلك الفتاة المدعوة جنات، ترى فيها ماريا البشوشة ذات الروح الطائرة التي كانت تظهر معها فقط، علمت بموت و رحيل والديها، لتنغمس فى تفكيرها، هل من الممكن لو أن والدي ماريا كانا قد توفيا كانت ستظل رفيقتها الأولى و الأخيرة حية؟، هل لموت والدي تلك الفتاة سببًا في بقاءها على قيد الحياة؟، و لكن والديها قد ماتا بالفعل، لكا لم تجد ماريا صعدت من بين الركام تنفض عنها غبار الوحدة لتعود مرة أخرى؟، لتدرك بأن هذا لا ينفع ولا يحدث أبدًا!.

تركت المرآة بجوار قلبها و قد كتبت عليها، "لطالما كنتِ جميلة يا ذات الجمال الفريد"،  عادت ذكرياتها لذلك اليوم الذي رحل فيه شقيقها و معه ابناءها ليغلقوا صفحات الماضي المليئة بالدماء، كانوا جالسين فى غرفة الإستقبال و كل فتاة تبحر فى بحار أفكارها، و كل فتاة تضع يدها على قلبها المتألم، تخشى أن تودع عزيزًا بات يعيش بين جنبات صدرها، بات الغريب صاحب دار شاسع فى قلبها لتصبح المالكة غريبة!، تعيش فقط في القلب لطيبة قلب الغريب الذي أضحى مالكًا!.

كانت عيني ريڨان معلقة على إثنتين، جنات و الطفلة التي بين يدي كريستين التي علمت بفطنة قلب الأم أنها حبيبة ابنها، ابتسمت ساخرة حتى آخر رمق من كان يفرق معها هو البستاني الذي إنتشلته العاصفة الهوجاء من بين بساتينها الخضراء لتضحى قاحلة تنفر الناظرين إليها، إنطفأت نضارتها حدادًا على فقيدها، أو هكذا صور لها عقلها الباطن!، تطالع جنات ترى فيها ماريا صديقتها لو كانت لازالت حية و لم تمت، و قد عزمت فى نفسها على أمر تفعله حيال هذه الأمور.

أما عند روميساء فكانت تحمل ألبوم صغير لم يقدر له الإكتمال، ألبوم يحوي صور ماضيها الوردي برفقة عائلتها عندما سلمت الدفة بصدر رحب لقلبها ليسير مع تيار الحب، ذكريات لم تنزاح عن بالها مطلقًا، ذكريات جمعتها مع بياع الكلام الخاص بها و مع عفاريتها الثلاثة، ظل كانت تلجأ له فى أوج مراحل الحياة سطوعًا و شمسًا حارقة و عفاريت بريئة مستأنسة كانت تحويهم و تأويهم بين أحضانها كل ليلة، لتأتي تلك الليلة النكراء لتسلبها عفاريتها اللطيفة، لتدرك بأنها هى من كانت تأوى لهم و هم من كانوا يحتوها، تتعجب كيف لصغار أن يهبوا و يسلبوا السعادة من حياتها بمجرد رحيلهم و عودتهم، لما الحياة تضع سعادة الكون في شخص أو أشخاص معينين ثم تعود و تسلبهم تاركين إياك في وهم أن الحياة توقفت برحيلهم و هى العكس تمامًا لازالت مستمرة!.

ندبات تظل للأبد (ترويض الماضي) الجزء الثاني من رواية أتلمس طيفك "مكتملة"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن