الفصل الخامس و العشرين: عاد مبصرًا و بصيرًا!.

574 59 35
                                    

كان يطالعها و هى تفترش سريره و تتوسد وسادته ببزخ شديد و شعرها منسدل خلفها، وضعها على فراشه بنفس الهيئة الذي لطالما تخيلها بها حينما زارت أحلامه أول مرة، يتذكر ذلك اليوم الذي نام فيه بعمق عندما سلم الراية لسلطان النوم محتلًا جفنيه، لتكون مكافأة طاعته هو زيارتها له في المنام.

بدأت تلك الوردة الصغيرة تفتح عينيها، ليقف هو بجوار الباب راسمًا على وجهه معالمه الجادة، لتخونه مشاعره و لهفته لتلوح في الأفق نظرته المحبة المطمئة، تخبرها أن في أشد حالاته سوادًا، ستبقى هذه النظرة تطمئنها و تلجم أفكار ذلك الهائج كي لا يمسها أي سوء.

ظلت تنظر حولها بدون إستيعاب لترى وجهه أمامها، لتقول بسخرية خبأت خلفها فرائسها المرتعدة:

"و إنت جبتني هنا أنا كمان علشان تقدمني قربان لعمك العزيز!"

إستفزته و بجدارة بل و ألهبت بداخله المراجل النارية، فهو آتى بها كي يخبأها فهى آخر شخص يود أن تقتحم تلك اللعبة القذرة المليئة بالدماء، يقدر على إحراق العالم ولا أن قطرة دماء من خاصتها تذهب هباءًا بتلك الحرب الدامية.

و لكنه أجابها ساخرًا بعدما رأي شجاعتها الواهية تتلاشى:

"خطأ سيدتي الفاتنة، بل أنا أحضرتك حتى تكوني قربانًا لشياطيني أنا".

إنكمشت على ذاتها و حاولت الوقوف مستندة على الحائط خلفها، ودت لو كانت شبحًا كي تختبأ بداخله، أما هو فإقترب منها قائلًا بسخرية عكس ألم قلبه من إرتعابها منه:

"لما الخوف يا صغيرة، فلازالت المتعة لم تبدأ بعد؟".

قالت بشجاعة و هى ترى نهاية إقترابه منها، فعلى الأقل يكفيها حربها ببسالة عن ذاتها حتى و إن كانت حربًا ستنتهي بدفنها حية، فيكفيها شرف المحاولة:

"إبعد عني أحسنلك".

ليقول هو بترقب و هو يقف على بعد إنش واحد:

"و إلا ماذا يا صغيرة؟، فأنتِ و بالكاد تستطيعي الوقوف، كيف ستادفعين عن نفسك؟".

أمسك يدها بقوة و قال:

"حري بكِ أن تخشي العالم ولا تخشيني، فحتى و إن كنتِ لا تستطيعي الوقوف أنا لم يكتب لي أي صمود أمام عينيكِ، و لكن العالم ليس مثلي يا صغيرة، لا العالم يمتلك قلب كقلبي ولا أنا أملك قلب كقلب العالم، أنا أخر شخص تخشينه، و أنتِ هى أكبر مخاوفي".

إرتجف بؤبؤ عينيها من تصريحاته الغامضة في باطنها، كانت تطالعه بخوف و إضطراب، أما هو فكان يطالعها بألم من خوفها منه، ليقول بإستعطاف لطالما كره بعدما إستعمله مع جثة والديه و لكن لم يجبه أحد:

"لا تأخذيني بذنب لم أرتبكه، لا تدنسي يدي بدماء لم أزهقها، فيكفيني ذنب حبك، و يكفي يدي ذنب تدنسها بلمس محياكِ الذي حرمتيه عليٰ، تذكرين حينما أخبرك بعدم رغبتي في إفصاحي عن الماضي حتى لا تتركيني، وقتها قولتِ أنكِ ترفضين، ما لي آراكِ الآن تلهثين خلفه ركضًا بعيدًا عني، جاهلة بأني أرفضه".

ندبات تظل للأبد (ترويض الماضي) الجزء الثاني من رواية أتلمس طيفك "مكتملة"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن