الفصل الرابع عشر: ليس كل جرح يلتئم!.

571 55 35
                                    

كانت جالسة مكبلة الأيدي و مغمضة العينين بتلك القماشة السوداء، تتذكر تسللها مساء أمس من المنزل بحقيبة ملابسها لترحل مبتعدة عنهم، علَّ غمة الحزن و المصائب تلك ترحل معها، رحلت دون توديع أحد و دون أن تنظر للخلف، فمن لها لتودعه؟، و من لها ليحزن هلى فراقها؟، فالكل يكرهها، حتى هو يتصرف بهذا الحنان الذي يخرج من نبله و احترامه العالي ليحافظ على مشاعرها، و كل مرة تكذب نظراته ألف مرة، ليست هى من تخرب حياة شخص ما و ترضى بأن تكون حبيبته بكل تعنت و كأن الرحمة قد نزعت من قلبها، و إن قبلت فستقبل شفقة، لتنكر مع نظراته دقات قلبها التى كانت ولازالت تهدر بداخلها منذ الصغر إليه هو فقط.

و لكنها قد أخذت قرارًا صارمًا لا رجعة فيه، و لم تعلم أن ذلك القرار سيدمر عائلتهم أكثر و سيحدث زلزالًا و تصدع آخر بداخلهم، لا تعلم بأن تلك الغمة ستتكالب و تتكاتف عليهم جميعًا حتى تهزمهم، فقد حدث هذا التصدع بين يزيد و يزن.

عادت بذكرياتها من بعد خروجها و توجهها للمطار سيرًا على الأقدام نظرًا لتأخر الوقت، فالكل لاجئ لسريره الدافئ يريحه من عناء اليوم، لتكون هى الوحيدة التى تعاني مرة أخرى كعادتها، تحمل بين طيات صفحات حياتها ألم و ندم و نبذ، كانت ولازالت و ستظل منبوذة، حتى الوحيد الذي قبلته ظنته فخ و نبذته هى، و كأنها تريده أن يتجرع من نفس الكأس المرير ليتذوقه، فهو أيضًا رذلها بعيدًا عنه لإثنتى عشر عامًا، أليس هما متعادلان الآن؟!.

لترى نور عظيم يشق عتمة الشوارع بجوار أعمدة الإنارة، لتتوجه ناحيتها سيارة سوداء، ليهدر قلبها بداخلها بعنف و قلق كبير، و كأن قدميها قد ثبتا فى الأرض بصمغ قوي لتمر السيارة من جوارها، ثم إختفت هى بداخلها بعد ذلك، ليبقى حالها هكذا مكبلة اليدين و العينين وحيدة فى هذا المكان البارد، لكن الأمر الجيد باانسبة لها أنها ابتعدت عنهم و للأبد
⁦♡__________________________________________♡

أما عند ذلك المطعون فى قلبه و بقوة كان جالسًا مستندًا على سيارته يطالع تلاطم الأمواج من حوله متذكرًا ما حدث صبيحة هذا اليوم بعمق، متسائلًا أين يمكن أن تكون؟، لا ينكر أن جزءًا منه فرح برحيلها ولا ينكر عدم تقبله القليل لها، و لكن عند رؤية ثوران شقيقه الكبير هذا لا ينكر بأن إيحادها أصبح يهمه، لا يلوم أخاه على ما فعله، هكذا تربوا و هكذا نشئوا و هكذا عاشوا و هكذا سيظلوا، و لكنه حزين لفقده و هو متجرع من نفس الكأس المرير.

و على ذكر الكأس المرير، فلقد أحس بعبق من أرواه منه أنهارًا إحتل رئتيه بقوة، و هى تقف تستند جواره لينظر لها من طرف عينيه، محاولًا رؤية معالم جهها، لتقول هى بهجوم و دون سابق إنذار:

"لسه جواك عادة التسرع دي، لسه جوالك العادة اللي هتخسرك كل اللي حواليك، مين اللي أسهل عليك تخسره؟، تخسر عيلتك كلها ولا عادتك دي؟".

ليردف هو و قال:

"و أنا مستعد أخسر الدنيا كلها و أكسبك إنتِ".

ندبات تظل للأبد (ترويض الماضي) الجزء الثاني من رواية أتلمس طيفك "مكتملة"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن