الفصل الثالث و العشرين: لم نكن و لن نكون!.

579 57 64
                                    

كانوا جالسين في غرفة ريم بعد أن سمحت لهذه الجلسة النسائية بالدخول لصومعتها الساكنة، و لكن على عكس المعتقد و الظنون ظلت غرفتها هادئة فكل فتاة جالسة سابحة فى أفكارها السحيقة القاتمة.

كانت كريستين يتآكلها القلق عندنا وجدت ماثيو يخرج بصمت من غرفته للخارج و قد قال كلمة واحدة:

"إطلعي إنتِ و أليسا لبيت رغد".

وقفت بصمت و هى لا تدري عن من يتحدث، لتأتي شقيقته الذابلة بعد مواجهة حادة مع ذلك الطبيب الذي عمل معها حديثًا فى المشفى التى تعمل بها، ليذهبوا و يجلسوا تلك الجلسة الرخيمة المهلكة للأعصاب.

كانت رغد حالسة بجوار الشرفة ساندة رأسها عليها تتذكر محاولاتها المضنية في إقناع يزن في تناول الأدوية و تحسين نفسيته المتهالكة حتى يستعد للعملية، ليواجها بإستسلام متعنت لينتهي كل لقاء بصراخه عليها و هو يقول بغضب:

"إيه مش عاجبك لما بقيت أعمى، روحي لحبيب القلب المفتح يمكن يعجب".

لتتركه وحيدًا ليرتاح و ترتاح هى، و كأنها عندما أقرت بحبها له و خرت له مستسلمة يحتل كيانها كان هو مبصرًا!، بل إعترفت له بحبها الخالص النابع من طفولتهم و عشقها الذي لم تستطع إنكاره عندما أضحى ضريرًا كي تخبره أنه فى أصعب أقواته و أشدها إنحدارًا هى تقبل به وسط رذل العالم له، و إن رفض العالم أن يكون نورًا له، ستكون هى نوره فقط إن طلب و قبل هو بها، فبعد ما كان هو من يركض خلفها، أضحى عندما أتت له ركضًا يركض هربًا منها، ظنًا بأن نقصه يعيقه من البقاء معها.

تنهدت بتعب، لما على قصتهم أن تكون بتلك الصعوبة و ذلك التعقيد!، لما لا تكون سلسة، اثنان وقعا بالحب و ها هم ينعمان بنهلهم من بحور العشق، لما على كل تلك العقبات أن  تكدر صفو حياتهم، لكن من رحم العذاب يولد الفرج، من جوف المعاناة تخرج الرحابة، من باطن الجوف يخرج الغيث، و لعل الغوث يكون قريبًا.

أما تلك الجالسة متكورة حول نفسها منكبة على قدميها المستندة على سندات كرسيها المتحرك، تنعي فى صمت و حداد طويل حبًا لم يكتمل نموه، حبًا كان محرمًا عليها، حبًا لم يكن لها أن تقع به، دخلت لعبة الحب ببراءة و كأنها تظن أن تلك اللعبة تضاهي براءتها الصافية براءة أصفى و أنقى كاللبن الأبيض الناصع، و لكنها رأت عالم سوداوي خرجت منه ملطخة بأيدي مذنبة بعد أن حكمت على قلبها بالموت فى حب رجل عمه هو من حرمها من والدها الحبيب، و بالرغم من علمه المتأخر لم يأخذ رد فعل.

تنهدت بتعب و خفوت، تعلم إنها يومًا لم تكن من مشجعي فريق "أخذ آخر بذنب غيره"، و لكن هل ذنب إبعاد والدها كأي ذنب يغتفر؟!، هل ذنب طفولتها التى هُدِرت ذنب يغتفر؟!، هل ذنب حرمانها من جو أسري صحي ذنب يغتفر؟!، هل ذنب حرمانها من سندها و خصوصًا فى حالتها تلك ذنب هين يغتفر؟!، تتمنى لو وجدت إجابة "أنه يغتفر" وسط هذه الأسئلة الإستنكارية و لكنها للأسف لم تجد سوى "لا يغتفر" كبيرة تغطي على إمكانية إكتمال علاقتهم، لتقف هى أما سد عالي و يقف هو خلفه و كان هذا السد هو حتمية الفشل، لتتجرع المرارة كؤوسًا أسكرت قلبها من الألم لتترك السؤال بكيف و تتجه لمتى، متى سقطت سهوًا بهذه الهوية العميقة لتستفق على ألم يسحق قلبها لأشلاء؟.

ندبات تظل للأبد (ترويض الماضي) الجزء الثاني من رواية أتلمس طيفك "مكتملة"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن