الفصل السابع و العشرين: شكاء بكاء!.

536 51 18
                                    

كان يتقدم حاملًا باقة زهورها المفضلة متجهًا نحو تلك اللوحة الرخامية، كان أسمها مكتوب عليها بإتساع بزغرفة جميلة كجمالها المدفون أسفل أطنان و أطنان من الثرى، يتوجه نحوها بقلب مكلوم لا يملك سوى الذكريات التي يرثيها بها، أضحى العالم معتمًا بعينيه و كأنه ضرير!، فضي أيامه رحل و تركه وحيدًا، كجندي أعزل بلا سلاح تلاطمه سهام الأيام و الوحدة من كل الجهات، و هو المسكين بلا عازل أو حامي.

"تالين محمود المعز"، اسم كان بين طيات الزمن، مرذول من جميع أبطال قصتها، أما فى روايته كانت هى بطلة القصة و الحكاية، حكاية لم تكن بالسعيدة كليًا و لكن يكفيه وجودها كبطل أساسي، بطلة كل حكاياته السرمدية، حكايات و قصص و أحداث نسجها القدر واهبًا إياها له، كهدية مغلفة جميلة لما تحمله فى حياته السابقة، ليحرق كتابه الخاص و يخط أولى كلماته بكتابه الجديد باسمها، و لكنه لم يسترسل بقراءة باقي صفحات كتابه المدسوس بها الفراق بين أسطرها، رفض هو إستباق الأحداث _التي ظن بأنها سعيدة_ مقررًا و بكل وجدانه التمتع بكل لحظة جوارها، و إن أتى ملاك الموت فهو لن يقتنص روحان، بل روح واحدة لأن روحه إمتزجت بها.

لتأتي صفحة الفراق سالخة روحيهما عن بعضهما البعض، أخذة روحها بعيدًا تاركة إياه وحيدًا مرة أخرى باكي على الأطلال، لا يعرف كيفية مواجهة الحياة بمفرده، نسى طريقتها، و لما الحاجة فهى دائمًا ما كانت جواره تشد من أذره.

تناهت من مدمعه دمعة صغيرة تحمل بين طياتها أخر ذكرى لهما معًا، كانت مستلقية على فراش المشفى بعدما تظهورت حالتها الصحية، كم يؤلمه مشهدها، و لكنها طلبت منه الموت الرحيم، فلا أمل من العلاج، ولا مفر من المرض، فلماذا تهلك جسدها بتلك المواد الكيميائية و الإشعاعية بلا جدوى؟!، لتطلب منه عدم الخوض فى خطة العلاج كأخر مطلب منها له، ليمكثوا بتلك المشفى هذا الأسبوع الذي تبقى لها من الحياة.

ليجلس بجوارها دموعه تنذرف بصمت، ياليته لو كان هو الممد ولا هى!، ياليته كان أصابه هو لا هى!، ياليته لو يعلم طريقه لأخذه عنها!، و لكن ما نيل المطالب بالتمنى، فشتان بين ما تريد و ما يحدث!، ليسمعها تهمس له بخفوت:

"فريد".

نظر لها بحب لن يستطع الزمن نزعه:

"أيوه يا زلابية".

ضحكت هى بتعب و خفوت و قالت:

"لحد دلوقتي يا فريد".

ليقبل يدها و قال بحب:

"و لحد أخر نفس يا زلابيتي".

لتقول هى بحب و هى تربت على يده:

"بحبك أكتر من يوتجين".

ليرد عليها و هو يقبل يدها:

"و إنتِ عشقي يا ريبانزل".

لتقول هى بألم و هى تزدرد ريقها:

"يالا يا فريد إذن ليا إني أمشي".

ندبات تظل للأبد (ترويض الماضي) الجزء الثاني من رواية أتلمس طيفك "مكتملة"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن