كان واقفًا فى شرفته يطالع ضحكاتها مع رفيقهم السمج منذ الطفولة المسمى بمؤمن و النيران تتآكله فى قلبه، كيف سمحت بالتقرب من شخص آخر غيره؟، و كيف سمحت لضحكاتها البديعة أن تسطع شمسها معه هو و ليس معه؟، كيف أتتها الجرأة بأن تعطي كل هذا اللطف و الحب لآخر غيره هو؟، مئات الأسئلة بكيف، لتستطع بعقله إجابة واحدة و هى :
"زي ما سيبتها وراك و مشيت، هى سابتك وراها و مشيت".
إجابة منطقية و صحيحة مئة بالمئة، فلماذا الإعتراض يا ترى؟، هل لأنه يحبها بالفعل أم لأنه لا يستطيع فعل ما تفعله؟، فالغيرة هى الوجه الثاني للحب، و هى ماهرة فى جعله يغار، و جعله يسقط بحبها أكثر، مستغلة عجزه عن فعل هذا معها، فهو لا يتخيل إحتكاكه بفتاة أخرى غيرها، فكيف سيجعلها تغار؟، أو إن فعل ذلك هل سيضمن منها ردة فعل أم ستتركه بمفرده و كأن ما به لا يعنيها؟.
لتتضاعف الأسئلة بعقله، ليدلف للداخل تاركًا إياهم سويًا، أما هى فكانت ترفع عينيها خلسة و هى معه تطالع وقوفه و هو يطالعهم و يراقبهم و من ثم دخوله بعد ذلك، لتظل تطالع الباب وسط ثرثرة مؤمن الجالس جوارها، تنتظر هبوطه لها بفارغ الصبر و لكنه لم يفعل.
أما مؤمن فوسط ثرثرته لم يغفل عما يفعله هؤلاء العاشقان المكابران، ليلقي تساؤله أمامها وسط ألم قلبه من هذا التساؤل:
"رغد هو إنتِ لسه بتحبيني، أو هخلي السؤال أوضح هو إنتِ حبتيني من الأساس؟".
لتجيبه بتأكيد و بدون تفكير:
"أيوه بحبك يا مؤمن، ليه بتسأل سؤالك دا؟".
ليجيبها هو و قال:
"أومال ليه أنا مش حاسس بكدا، أنا مش أعمى عن نظراتك و لهفتك على يزن يا رغد".
لتقول هى بدفاع عن نفسها و كأنه يلقي بتهمة شنعاء عليها:
"أنا كنت بشوفه علشان قلقانة عليك لا يضرك بحاجة".
ليقول مؤمن بعدما تنهد بعمق:
"أتمنى لو أقدر أصدقك، و لكن هقولك متخليش غلطة أطفال صغيرين حصلت من ١٢ سنة تأثر عليكِ لدلوقتي، أنا عارف و متأكد إن قعدتنا مع بعض دي فيها عصيان لطلب كان هو طلبه منك زمان و إنتِ بتعمليه علشان تبينيله إنك مش محتاجاه و تجاوزتيه مع إن تصرفاتك عكس حقيقتك تمامًا، و صدقيني لو فضلتِ على كدا فإنتِ هتخسري كتير أولهم هو و قلبك و حبك و تانيهم أنا كصديق".
ظلت تنظر له بهدوء و هى تعيد حساباتها مرة أخرى، فجزء من حديثه صحيح إن لم يكن أكمله صائبًا، و لكن كبرياء قلبها لا يفهم هذا، فهى تريد التنفيث عن ذلك الألم الذي ظل يخالجها لسنوات و سنوات تخبر نفسها بأنه سيعود مرة أخرى معتذرًا و هى ستقبله، لتجر السنون بعضها و يمر الوقت كعجلة مدولبة سريعة متخطيها هى و قلبها حاجبًا عنها أمنيتها و عودته مرة أخرى.
أنت تقرأ
ندبات تظل للأبد (ترويض الماضي) الجزء الثاني من رواية أتلمس طيفك "مكتملة"
Romanceالحياة، و آه من تلك الحياة التى تعملك بطُرِقها القاسية مسببة لك جروح، و تتعدد تلك الجروح، منها التى تتعلم منها، و منها التى تُثْقِل معدنك، منها التى تُزين حياتك تذكرك بقوتك، منها التى تظهر واضحة على وجهك تذكرك بما مضى، منها من تدفنك أسفلها كاتمة على...