الفصل التاسع: لم تكن تلك هى الحقيقة الوحيدة!.

604 61 37
                                    

دلفا معًا لإحدى الغرف المتواجدة فى المشفى أو عليٰ القول فى تلك المصحة النفسية، كان يتحرك نحو غرفتها بأقدام مرتجفة و قلب ضعيف، ليدخلان لتلك الغرفة، ليجدان إمرأة جالسة خط الشيب رأسها و شعرها الصغير، جالسة بلاوعي تطالع الجو و المناظر الخلابة بين أسوار المصحة النفسية العالية، كانت ترتدي فستان أبيض جميل يليق بعينيها العشبية السارحة نحو الأفق البعيدة.

إقتربت منها أليسا بكرسيها المتحرك و مع كل دولبة تخرج من الكرسي كانت تتمنى لو تخرج من قدمها لتكون سببًا فى رجوع والدتها لوعيها من جديد، لا تعلم كيف تدهور بها الحال لهذه الحالة، و آه لو علمت أنها هى من فعلت هذا بها حتى و إن كانت بطريقة غير مباشرة.

وضعت الكرسي بمقابلتها علها تحصل على إنتباه عينيها، و لكن لا شئ حدث معها، كان ماثيو يراقب أفعالها و ردود أفعال والدته الساكنة، يتذكر ذلك اليوم الذي ذهب فيه و هو و ريڨان ليقابلان ذلك الرجل الذي سلب من أمه طفلتها الصغيرة عقابًا على إهمال لم يكن لها يد فيه، و هو لا يعلم أن إصابة إبنتها كان عقابًا أكثر من كافي لها.

ذهبت للمتجبر لتتلمس من قلبه رحمة، لعل قلبه لايزال ينبض لأجلها لو نبضة واحدة تحصل بها على ابنتها منها، لتدلف لمنزلها القديم بعد أن إنزوت فى إحدى الشقق بإحدى الأحياء النائية، كانت تناظر حوائط و جدران هذا المنزل الذي حوى على صحكات و ذكريات أضحت تأتيها بألم لا يحتمل، فكانت ذكريات سامة لقلبها و عقلها جعلها تتحسر على ما إختارت و ما قبلت به، فكانت أطيافهم تتحرك بجوارها بتلك الذكريات و كانت هى تسمع ضحكاتهم كأنها صراخ حاد يصم أذنها و يلهب عينيها لذرف الدموع، لتشعر بيد ابنها تتمسك بها عله يبث الطمأنينة على ملامح وجه والدته المنكمشة، لتبتسم له بوهن و هى تنظر للدرج تراه و هو ينحدر منه بجبروت و قسوة لأول مرة تراها بعينيه.

لتسمعه يقول بحدة:

"هو مش قولت مش عايز أشوف وشك دا تاني إنتِ و الواد دا".

ليضغط ماثيو ذو الخمسة عشر عامًا على يد والدته و قال ببرود:

"والله يا رامي بيه ولا إحنا بس اللي جابنا عندك حاجة غالية علينا قوي غير كدا إحنا برضو منتمناش نشوفك".

لتنتهره والدته و هى ترى ملامح رامي تحتد مرة أخرى و قالت بترجي:

"رامي حياة أغلى حاجة عندك، خليني أشوف بنتي، أرجوك أشوفها و ساعتها مش هتشوفني مرة تانية".

ليطالعها رامي بقسوة و قال:

"إنتِ ملكيش بنات، بنتك دلوقتي فيها اللي مكفيها بسببك، و أنا مش حمل ألاقيها رجعالي تاني بعاهة مستديمة بسببك و بسبب ابنك و بسبب إهمالك".

ليقول بعدها ببرود:

"دلوقتي تقدري تمشي من هنا، علشان ألحق أخلي الخدم تنظف مكانكم".

ندبات تظل للأبد (ترويض الماضي) الجزء الثاني من رواية أتلمس طيفك "مكتملة"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن