الفصل الثامن و العشرين

625 48 6
                                    


1984*

في اليوم التالي ذهبت هارون للعمل اخذت تبحث بين الرجال علي عمل جزئي يأتي لها بالمال هنالك بعض الاعمال "بناء ، حداد" كل المتاح لم يكن سينفعها شعرت بالعجز ف ذهبت لرئيس العمال و سألت عن المرتب متي سيوزع اخبرها في غضون يومين ..حمدت الله رغم كونه لم يكن المبلغ الذي تريد لكنه بالطبع سيحدث فارقاً و في الثامنه ذهبت مرة اخري للمشفى لكنها لم تجد فاطمه في نفس الغرفة هرعت لأول ممرضه وجدتها : إذا سمحت اين الفتاه التي كانت في هذه الغرفة؟
الممرضه: لقد غادرت
لتستوعب هارون: كيف هذا و هي في غيبوبه !
الممرضه : لا اعرف سيدي
هارون : لكن من اسأل؟
الممرضه: ربما الطبيب المسؤول عن هذا القسم ستجده في مكتبه في اخر هذا الممر
سارت هارون لا تعرف ماذا ستقول للطبيب .. لكنها لابد ان تعرف كيف حالها ..
وجدت المكتب و طرقت الباب رفع الطبيب عينيه للطارق: تفضل يا سيد كيف اساعدك
هارون: انه .. لقد كنت ازور فاطمه و لم اجدها .. اين هي؟
الطبيب: من تقصد؟
هارون: الفتاه التي كانت في غيبوبه و توقف نبضها البارحة ..
الطبيب : الهي لقد تذكرت .. لقد افاقت اليوم صباحا عند ال٩ .. اجرينا كل اللازم لها لنتأكد من صحتها و رغم اننا اخبرنها عن ضعف قلبها و انها يجب ان تلتزم المشفى حتي تُشفي لكنها اصرت علي الرحيل .. و غادرت
هارون: لقد فهمت.. عن اذنك
غادر هارون يفكر كيف ستصل لها الآن و في نفس الوقت تحمد الله علي سلامتها حتي اوقفتها يد امسكتها بشده لتنظر للممرضة التي امسكتها لقد كانت نفس المرأه التي سارعت بتدفأة فاطمه البارحة
الممرضه: انت .. انه انت الذي ادعيت انك ابن خالتها..
هارون يندهش : ما الامر سيدتي ماذا حدث!
الممرضه :لا تستعمل الغباء لقد افاقت و قالت انها وحيده و اقربائها يعيشون في بقاع مختلفة و لا يعلم عنها احد فمن انت اخبرني!
هارون: فاعل خير اردت المساعده
الممرضه: فاعل خير يدفع المال و يصرخ لاجل ان نهتم بشخص لا يعرفه ..
هارون: انا اسف سيدتي لا استطيع البوح بأكثر
الممرضه: كما تشأ لكني اخبرتها عنك و يبدو انها تعرفتك من وصفي لك .
هارون ابتسم بشده : شكرا لك ثم غادر مسرعا ..
**
بدايه الاسبوع الثالث من شهر ٤
يوم عمل هادئ .. هارون ارهقت نفسها في العمل دون ترك وقت للتفكير في فاطمه .. هي تعرف انها لن تستطيع الوصول لها علي اي حال .. من ال٩ صباحا الى ١١ ليلا منذ ايام و رغم محاوله حوريه و سماء ان يقنعها بعدم ارهاق نفسها ف هي لا تهتم .. اتفقت مع حوريه انها ستبيت الليلة في الشقه التي اخذتها من والدها لتبقي وحدها قليلا ..
في ال٩ بدأ المكان يخلو من العمال حتي لم يتبقي سوي ٤ او ٥ اشخاص ينهون تسجيل اعمالهم .. جاء من بعيد صديقه : هارون ، الم تنتهي بعد؟
هارون: لا سأظل قليلا ، اذهب انت للبيت
صديقه: حسناً ، لكن هنالك شيء اخر
توقف هارون عن العمل: ماذا؟
صديقه: انها فاطمه ؛ تسأل عنك ! ماذا فعلت لتجعلها تأتي هي إليك ايها اللعوب
هارون بجديه ملامح: لم افعل .. اين هي؟
في المكتب الصغير استضفتها هناك
هارون: اعطيني مفتاح المكتب و اذهب للبيت انت انا سأغلقه بعد ان ترحل
صديقه يضحك : يا رجل ماذا تريد بعد لقد تزوجت بإبنه صاحب المصنع
لتقفهر ملامح هارون : يا رجل الا يوجد شيء في رأسك سوي الخيانة .. بيننا عمل مهم لا تتدخل
صديقه: أهدئ يا رجل نحن نتحدث فقط .
هارون : حسنا يكفي حديثك ، اعطيني المفتاح ( مد يده و اخذه منه ) عن اذنك
ذهب هارون للمكتب ليجدها جالسه في ملابسها السوداء نظرت له في صمت عيناها كساهما البكاء و وجهها غادرته الحياه ..
هارون : هل انتي بخير؟  هل اجلب لك بعض الماء !
فاطمه بهدوء: رجاء ، اجلس
جلس هارون
فاطمه : لما تفعل هذا ؟
ليُظهر هارون ملامح استفاهم مزيفه و يهم ليتحدث لتقاطعه فاطمه : لا تدعي عدم الفهم .. انا ليس هنالك رجل اخر يعرفني سوي مالك البيت و يستحيل ان يكون هو ثم ان كل المواصفات تنطبق عليك .. اعرف انه يجب علي شكرك بدل التحقيق معك في دوافعك لكني لا املك شيء لأعوضك به .. و لن اعرض نفسي عليك مقابل كل ما دفعت و لو انطبقت السماء علي الار..(اصابتها نغزه في قلبها اثر انفعالها لتصمت و تضع يدها عند قلبها )
هارون : انسه فاطمه، اهدائي رجاء .. انا لا اريد منك شيء ابدا .. ارجوك اهدئي .. لم يجد ما يقوله انعقد لسانه فور ما شعرت هي بالآلام ..
هارون: زوجتي تعلم انني فعلت كل ما فعلت لقد شجعتني ايضا لأنها تعلم كم اعزك لشخصيتك الفريدة و هي تري ان لا فارق بيننا .. ارجوك دعيني اخذك للمشفى او اجلب لك الدواء
نظرت له فاطمه نظره انكسار و تساؤل " كيف لأمرأه ان تسمح بهذا "لكن الألم لم يتوقف بعد و هي غير قادره علي الكلام شعرت بدوار ثم اظلمت الدنيا فجأة ليهرع هارون و يمسك بها قبل ان تسقط من علي الكرسي .. خرج بها بسرعه و سار و هو يحملها في الشارع حتي المشفى لعدم وجود اي سيارة اجره  : انقذوها رجاء ..
اسرع اليه رجلان و امرأه من الممرضين المناوبين : ماذا حدث؟
هارون : انها مريضه بعله ما في قلبها و قد اغمي عليها
اخذوها علي غرفة الفحص للطبيب الموجود و بعد إعطائها الادويه المناسبه و الاطمئنان عليها خرج لهارون يسأله بضع أسئلة عن علاقته بها و ما حدث بالتفصيل اخبره انها بخير وانها ترتاح ذهبت هارون للغرفة لتجدها نائمه مثل المرة الأولي دمعت عيناها علي حال الفتاه التي تحبها كم هي قريبه و كم هي صعبه المنال
بعد مرور ساعه فتحت فاطمه عينيها و تحركت ببطيء لتعرف اين هي رأت هارون و هو ينتفض من جلوسه : انتي بخير! هل اجلب الطبيب؟
فاطمه: لا (لم يساعدها صوتها لتقول اكثر من هذا )
نظرت حولها بحثا عن ماء لكن لم يكن هنالك اي شيء
هارون: سأجلب لك بعض الماء و اعود
لتندهش فاطمه كيف علم انني ابحث عن الماء ! هل هذا واضح لتلك الدرجة؟
عاد هارون و اعطها الماء و عاد ليقف بعيدا قليلا ليعطيها راحتها في الحركة : الطبيب قال يمكن ان تظلي هنا حتي الصباح و كتب لك بضعه ادويه و شدد علي اهميتهم و قد أعطاك بعضهم بالفعل فور وصلتي .. اذا لا تريدين البقاء دعيني اوصلك لبيتك إذا سمحتي..
بعدم فهم لأي من مجريات حياتها هذه الفتره دمعت عيناها : انا ... انا ..(وقفت الكلمات في حلقها) بكت اكثر ليقترب هارون خطوتان :ارجوك لا... ثم صمت قائلا لنفسه ان يتركها تبكي ربما ترتاح قليلا عاد الخطوتان مرة اخره
مرت الدقائق وهو ينظر لها حتي هدأت و تكلمت : من انت ؟ لما تفعل هذا؟ انا لا اريد ان يهتم لي احد . و خصوصا شخص لن استطيع ان ارد له فعله ، لم اعتد علي هذا يا سيد.
هارون مبتسمه: انا هارون و افعل كل هذا لأني رأيت فيكي شيء ما احببته بكل صراحه .. و انا لا ابحث عن مقابل .. انا فقط اريدك بخير.
فاطمه تنظر لعينيه ثم تشعر براحه غريبه ثم شعرت انها تريد الحديث .. هي علي الاقل تدين له بان يعرفها .. او هي فقط ارادت ان تحكي قصتها لاحد ما
" لقد كنت انا و امي وحدنا ل ٢٠ عاما انا في ال٢٩ من عمري .. درست ما يمكنني ثم بدأت العمل لآتي بالمال .. تعبت امي منذ سنه بقلبها .. ف صرفت كل المدخرات علي الدواء .. حتي ..حتي ماتت .. امسيت بلا ام و بلا بيت و بلا مال .. انام في بيت جارتنا بعد ان طردني المالك من شقتنا لتأخر الإيجار .. انا لا املك قدره علي العمل بعد الآن انا حتي لا اعرف هل هذا هو نفس مرض امي لا املك المال للدواء ..و كبريائي و عزه نفسي لن تسمح لي بأن اقبل اي شيء من اي احد .. هل تفهم يا سيد هارون..
هارون تستمع لها بقلبها حتي لمعت عيناها بدموع تحبسها بشق الأنفس..
هارون: دعيني اساعدك حتي تعودين للوقوف علي قدماك و سددي دينك .. دعيني اعرفك علي زوجتي فهي امرأه رائعة تكون الصداقات سريعا .. دعيني ابحث لك عن بيت يكون صاحبه ذا صدر رحب لا يجري خلف المال .. ارجوك .. اقبلي بي ( ترددت كثيرا قبل ان تقبل علي قول هذا ) كأخ لك.
هي لم ترد ان تبدأ تلك العلاقة بالكذب لكن في الحياه مواقف لا تسمح لك بأي فعل آخر سوي الكذب ..

مقهى ضوء القمر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن