4 |نحو العاصمة|

672 124 40
                                    

بعد مرور ثلاثة أيام كنتُ قد انتهيتُ من تسليم كل الأعمال التي لدي، نظفتُ الورشة جيداً وأغلقتُها وحرصتُ ألا أترك فتحةً ليدخل الغبار، كل الأخشاب والآلات والمسامير وعدة العمل لدي كانت في مكانها، وكان من الممكن أن تدخل الحشرات فحرصتُ أن أتأكد من الأمر أكثر من مرة، رتبتُ غرفتي وحضرتُ حقيبةً صغيرة فيها ثلاث غياراتٍ لأبدل فيما بينها أثناء العمل وملابس أخرى لوقت الفراغ، وضعتُ أدواتي الصغيرة، المشرط الذي استعملتُه حين نحتُ أول قطعةٍ في حياتي والذي أعتبره دوماً تمتمة حظي، وبعض أدوات النحت التي أعتمد عليها وتخيلتُ أن العائلة لن تفكر بجلبها لي، أما تأسيس الكوخ الخشبي فكان يحتاج عدةً كبيرة وقد أخبرني أندرياس أن عائلته ستؤمن كل شيء.

كان هناك الكثير من المخاوف، راودتني فكرةٌ مضحكة أن كل ما يقوله أندرياس مجرد كذبة وأنه لا يوجد فرصة عملٍ أصلاً، ولكنه جلب لي عقداً كبيراً من سبعة صفحات موقعاً باسمه (كنائبٍ عن عائلته) وأخبرني أن هذه الطريقة الصحيحة ليقوم المحترفين بأعمالهم.

كنتُ مجرد نجارٍ بسيط، كانت المرة الأولى في حياتي التي أحصل بها على عقد عمل كذلك الذي تستعمله الشركات في المسلسلات، حتى أنني حين قلتُ له كلمة (عقد عمل) فقد خرجت مني دون تفكيرٍ أنه سيجلب لي واحداً حقاً!

أخذتُه خارج المنزل واستعنتُ بصديقة طفولتي على قراءته، ليليث التي تكبرني بخمس سنوات غادرت لفترة لتدرس علم القانون في المدينة وعادت إلى هنا لتعتني بوالدها الذي أصيب بالزهايمر بينما يرسل لها زوجها المال.

رغم أن ليليث تركت عملها بسبب مرض والدها وعاشت بعيداً عن زوجها لسنةٍ كاملة بحيث لا تراه إلا بالعطل وربما لم تمارس مهنتها كثيراً ولكنها كانت أكثر فتاةٍ فطنةٍ أعرفها، جلسنا على كرسيين كبيرين من الحجر بينهما طاولةٌ حجرية وسط بستان عمها ووضعت نظاراتٍ على عينيها لتقرأ كل ما كُتب هناك وتشرح لي كلمةً كلمة.

كان هناك شرطٌ للالتزام بالعمل، في حال تخلت عني عائلة أنطونيوس وسط مهمتي فسيكون عليهم دفع المبلغ كاملاً، وحسب الأرقام التي عرضتها العائلة فكان من الواضح أنهم أغنياء بما يكفي حتى لا يهتموا بهذا المبلغ، ولكن في حال استغنيتُ عن العمل فجأة بدون سبب وبدون تقصيرٍ منهم اتجاهي وتركتُ منزلهم في فوضى دون أن أنهي عملي فسيكون علي دفع تعويض لهم، تعويضٌ يحوي عدداً من الأصفار لم أرَ مثله في حياتي.

في النهاية تحدثتُ مع ليليث كثيراً وتناقشنا حول العديد من الأمور ثم انتهى بي الأمر أوقع العقد، لم أخبرها بشيءٍ من مخاوفي أو شكوكي حول زوج أمي لذلك وجدت الأمر فرصةً مثاليةً للعمل، وكانت تقنعني أنني لن أشعر بالغربة طالما أنني ذاهبٌ للعائلة.

عائلة أندرياس لم تكن عائلتي، واتخذت قراري أن أتعامل معهم برسمية وأسلمهم العمل على أكمل وجه ثم أغادر دون تعميق أي نوع من العلاقات بيننا.

City of gamblers | مدينة المقامرينحيث تعيش القصص. اكتشف الآن